الأحد، ٢ ديسمبر ٢٠١٢

عشق موسمي...





لم يأت الشتاء بأمطار حتي الآن ، لكنك تعرف أنه أتي ، حين يبدأ ذلك الشعور بالاحتياج لأشياء لا تدري كنهها ، فقط هو احتياج جميل ، و هذا وحده يكفي...
حين ينعشك ذلك الجو الصباحي الحالم المشبع بالضباب ، حتي لتشعر أنك تتنفس الضباب ذاته ، و حين تري تلك الفتاة الفائقة الجمال تبكي وحيدة بالمقهي ، حتي لتشعر أنها الشتاء ذاته ، إن الشتاء أنثي ولا شك...
صدقاً ، ما الذي يمكن أن يكونه الشتاء إلا فتاة رقيقة بيضاء كالثلج تدمع بلا انقطاع دونما سبب ؟ و اراهن أن الصيف رجل سمين دائم التعرق يحاول اضحاكك بمزحاته السخيفة دون جدوي ، يصعب تصور أن الخريف و الربيع ابنائهما لو افترضنا أن هذا السمين قد يتزوج تلك البيضاء الرقيقة ، سيكون الربيع مراهق طائش يحاول جاهداً أن يكون رومانسياً لكنه يفشل في ذلك بجدارة ، بينما الخريف فتاة نحيلة الخصر شديدة الخجل مازالت تتلمس طريقها نحو الرومانسية بحذر...

***

-هذا الشتاء فقط ؟
-نعم ، هذا الشتاء فقط.
-و ماذا لو تعلقنا ببعض ؟
-هل حقاً تشعرين بذلك الاحتياج الغامض سوي في الشتاء ؟
-لا.
-ولا أنا.

***

عشقنا كان موسمياً ، لأننا كنا نتفق علي مبدأ واحد ، و هو أن الحب مهما بلغ من القوة إلا أن جذوره تظل نرجسية خالصة ، نحن لا نحب إلا لنشبع شيئاً بداخلنا ، مبدأ الحتمية النفسية لا يترك لك فرصة كي تقول أنك لا تعرف لماذا تحب ذلك الشخص ، لابد و أنك تملك سبباً لكنك تعجز عن قوله ، تعجز عن قول أنك بحاجة لمن يشعرك أنك موجود ، مرغوب ، حتي ولو كانت حاجتك هي أن تعتني بغيرك ، مهما بلغت درجة الإيثارية في علاقاتنا البشرية ، لابد و أن تجد لها جذور نرجسية...
عشقنا كان موسمياً ، لأن عواطفنا لا تنشط حقاً بهذه القوة إلا في هذا الفصل تحديداً ، و الصيف يجعلنا كائنات عصبية لا تطاق...
عشقنا كان موسمياً ، لأننا بصدق لم نشتاق يوماً لبعضنا خارج إطار ذلك الفصل علي الإطلاق...
كل شئ يبدأ في الشتاء و كأنه يبدأ لأول مرة...
وحده الشتاء ، و البقية توابع...

***

-متي أعرف ان الشتاء قد جاء ؟
-حين تهبط أولي قطرات المطر علي جسدك ، ستجدني أمامك.
-و متي ينتهي ؟
-حينما نمقت بعضنا ، و تجف عواطفنا ، و نجف.

***

المشكلة اننا اتفقنا علي شتاء واحد ، تشاجرنا في نهايته و انتهي كل شئ ، و لكن بحلول ثاني شتاء رأيتها ، عند أول قطرة مطر لامست جبهتي رأيتها ، في نهاية الجسر ، و كنت أنا في بدايته ، أذكر أننا ظللنا صامتين أكثر هذا الشتاء تحديداً ، أسميناه شتاء الصمت ، و الغريب أنه كان أجمل من كل الشتاءات التي جمعتنا...
إن للأعين لغة ساحرة لو أنك كرست نفسك للتحدث بها ، و للصمت رهبة لا يمكنك إنكارها مادامت قد تركت الحديث لصوت الأمطار...

***

-هل تحبني حقاً أم تحب الشتاء ؟
-أحب احتياجي لكِ في الشتاء.
-إذن لماذا جلبت لي باقة الورد هذه ؟
-من قال أنها لكِ ؟ لقد جلبتها لنفسي.

***

لا ، لم يكن الامر ارتباطاً شرطياً علي الإطلاق ، لم أحبها لأنني أحب الشتاء ، في الواقع أحببتها لأنها هي الشتاء ذاته ، أعني هل سبق و أن عشقت امرأة تتعطر برائحة المطر ؟
هل سبق و ان عشقت امرأة كلما بكت هطلت الأمطار بالخارج ، و كلما غضبت دوت الرعود بأعلي أصواتها...
إن الشتاء أنثي ولا شك...


السبت، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٢

فن الرسم في الظلام السرمدي...





هل تعرف شيئاً عن فن الرسم في الظلام ؟
بالطبع تعرف ، دعني أؤكد لك أنك مارسته مراراً منذ ولدت و حتي الآن ، إنه أشبه بعملية تصفح لذلك النيجاتيف العملاق لذكرياتك ، لكنك تعيد رسمه بالطريقة التي كنت تتمني أن يكون عليها في الواقع...
حين تغمض عيناك يصبح الرسم أكثر سهولة و انسيابية ، بإمكانك تخيل أي شئ و لتدعه يرتسم وحده ، الفارق الوحيد هنا أنك لن تستخدم ألوان خارجية ، إنه الأبيض فحسب يظهر وحده من العدم ، ينبثق لمزيد من الدقة ، يزحف و يتشكل علي استحياء ، و أحياناً في وقاحة...
ستري في البداية رسوماً تجريدية حمقاء ، أحياناً يخيل لي أن الفنان التجريدي لا يفعل شيئاً إلا ترك أصابعه حرة علي الورق ، ترسم كيفما شائت ، أو أنه يغمض عينيه مثلما نفعل الآن ، ثم يرسم ما ينبثق من صفحته السوداء...
لماذا لا يسمونه الفن العفوي ؟!
حسناً هل تري الآن ما يشبه انفجارات نجمية بيضاء ؟ إنك مازلت في البداية إذن ، كل تلك الأمور أشبه بلوجو الفوتوشوب الذي يظهر قبل فتح البرنامج...

و الآن حاول تتذكر وجوهاً اشتقت لها ، و وجوهاً لا تتمن رؤيتها ثانية ، و وجوها لم تعد تذكر أساسا لمن هي...

تذكر وجهها...

تذكر أوقاتا تعلم يقينا أنها لن تعود ، تذكر أماكن تعلم أنك لن تعيد زيارتها مهما وعدت نفسك بذلك...

تذكر من كنت ، و من أنت ، و من ستكون...

تذكر من كانوا يوماً محور حياتك و فجأة اختفوا كأنما لم يكونوا ، أو كأنما بعثهم الله لك في مرحلة بعينها ، ثم ما أن أنتهوا من مهمتهم حتي عادوا إلي حيث يأتي أمثالهم من الرائعين...

تذكر السماء التي لم تراها منذ زمن ، و كيف كنت تحدق بها من سطح منزلك و تدور حول نفسك شاعراً بالاتساع و اللاحدودية...

تذكر الطائرات الورقية في عطلة الصيف ، و كيف لطالما تمنيت في صغرك لو أن بإمكانك صنع واحدة ، و كيف كان مشهد الطائرات الورقية في السماء يشعرك بالسلام الداخلي ، لكن عظمة المشهد لم تسمح لك أبداً باستيعاب فكرة أن تكون أحد المساهمين في تلك اللوحة الرائعة...
أنا لم أستطع أبدا و حتي الآن تحليق طائرة ورقية ، لكني متأكد من أنني لو كنت فعلتها في صغري لتغيرت تفاصيل كثيرة في حياتي بعدها ، تفاصيل أعمق من مجرد كونها تتعلق برغبة طفولية...

تذكر كل هذا ، و نام...

لا تحاول أن تفتح عينيك بعدما استدعيت كل هذه الزيوت الطيارة من لاشعورك كي ترسم بها لوحتك...

لا تلوثها بالواقع ، لا تدنسها سريعاً...

الجمعة، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٢

عن ياسر الجندي و الدكتورة شيماء...




بدأت مؤخراً بعض المحاولات الجادة لتجاهل نظرات ركاب المترو عندما اشرع في قراءة كتاب ما ، بل و صرت أكثر مرونة مع هؤلاء الفضوليين الذين يقفزون معك بداخل الصفحات ، اليوم أقول أنني تخلصت بنجاح من أزمة الخصوصية هذه...
صباح أمس انتهيت من قراءة العدد الأول من سلسلة مقالات "دماغي كده" للرائع أحمد خالد توفيق ، و الحقيقة أنني استغرقت فيها وقتا أطول من اللازم و كنت أريد أن أستغرق أكثر ، لأنني أعاني باستمرار من قلق دائم و خوف مرضي من أن تنتهي كل تلك الأشياء الجميلة التي احببتها ، إنني أخشي اكتشاف أغنية أخري جيدة لفيروز لأن ذلك يعني أقترابي من هذا اليوم الذي أجد نفسي فيه و قد استمعت لكل اغانيها فيخبو سحرها بداخلي ، دعك من أنني بالأمس قرأت عن دراسة تتنبأ بزوال محصول البن العربي من علي وجه البسيطة خلال السبعون عاماً القادمة ، هناك احتمال كبير أن أكون في القبر وقتها و لكنك لا تنكر أن الفكرة وحدها مزعجة...
برغم روعة السلسلة إلا أنني استثار انتباهي مقالة بعينها استعاد فيها الدكتور أحمد ذكري مدرس أمراض النساء الدكتور ياسر الجندي رحمه الله ، و الذي اكتشفت فيما بعد أنه شقيق الدكتور أيمن الجندي صاحب الأسلوب المتميز...
السبب الذي جعلني اتوقف عند ذلك المقال هو أنه أثار بداخلي أيضاً بعض الذكريات القريبة المدي...

***

اليوم ثارت الدكتورة شيماء ، الدكتورة الشابة التي تشع بالتفاؤل و الإيجابية ، و التي استطاعت أن تكسب ود جميع من بالدفعة في وقت قياسي...
-مش دي ورقة الحضور اللي بتيجوا عشانها ؟ مش عايزاها.
و الحق أنني انتظرت هذه اللحظة بشغف...
لم أكن أحاول إثبات شئ لنفسي ، فقط كنت أعلم يقيناً أن تلك اللحظة قادمة ، كل شخص و له طاقة تحمل في نهاية الأمر ، و أنا منذ اللحظة الأولي التي رأيت فيها الدكتورة شيماء و أنا أتسائل من أين لها بهذه الإيجابية حقاً ، و متي ستأتي تلك اللحظة التي تطرد فيها أول طالب رقيع يجلس بالخلف مثرثراً مع زميلاته...
لكن بجدية ، ما الذي تفعله تلك الفتاة كي تظل محتفظة بهذه الإبتسامة علي وجهها ؟ رغم كل ما تمر به في تلك المحاضرات ، و رغم أنني شبه متيقن من كونها تشعر بأنها لم تحصل علي ما تستحقه في نهاية مشوارها الأكاديمي...
حتي كونها شابة في مقتبل العمر لم يكن مبرراً مقنعاً لي ، إن لي خبرة لا بأس بها مع المعيدين الشباب نافذي الصبر ضيقوا الخلق ، دعك من أنني أنا نفسي من أكثر رجال الأرض تشاؤماً و سوداوية ، لذا فالسن هنا ليس قاعدة ثابتة ، في الواقع ليس قاعدة علي الإطلاق...
الحق أن الدكتورة شيماء ليست سوي ياسر جندي آخر ، أو هكذا أراها ، إنها أحد الضمائر النشطة و التي تجاهد كي تبقي حية...
أعني أنه حتي و إن لم يكن الغد باسم حقاً إلي تلك الدرجة التي تظنها هي ، لكن لابد و أن هناك شيئاً سحريا تفعله تلك الفتاة حين تختلي بنفسها لتستمد منه تلك الطاقة الغير مفهومة...
الغريب أنني تفهمت موقف الدكتور ياسر من الحياة بسهولة أكبر ، و لا أدري لماذا لست قادراً في ذات الوقت علي تقبل تلك الابتسامة علي وجه الدكتورة شيماء...
صديقة عزيزة بررت ذلك تقريباً بأنني بائس لدرجة العجز عن إدراك كيف تكون بعض الأشياء البسيطة سبباً في إسعاد البعض ، ربما كانت محقة علي كل حال...

الاثنين، ١٢ نوفمبر ٢٠١٢

الرسام الحالم و فتوة الحارة...




لطالما تسائلت عما يميز ذلك الذي يسمونه زمن الفن الجميل؟!
أعني ما الذي قد يجعلك تشتاق لفيلم ما إلا لأنه ارتبط في ذاكرتك بفترة جيدة من حياتك مثلاً ؟ في علم النفس يسمون ذلك الارتباط الشرطي ، نحن نموذج آخر لكلب بافلوف الذي اقتُرِن لديه إحساس الجوع بصوت الجرس...
الحق أن الأفلام القديمة كان بها من الفساد الأخلاقي ما يكفي لإفساد أي مجتمع يحترم نفسه ، لكنها لم تفعل ، لسبب ما لم تفعل...
ستقول لأن المجتمع كان فاسداً من الأساس ؟ هل ستتحدث عن التنانير القصيرة و عن سهولة الزواج في ذلك الوقت ؟ هل ستأتي علي ذكر كيلو اللحم الذي كان ب 5 ملاليم ؟
الحق أن المشاكل وقتها كانت أقل ، أعني أن بعض الأمور التي صارت تمثل الآن مشكلة لنا لم تكن حينها مشكلة ، و بالتالي لا تجد في هذه الفترة فيلماً يحاول مناقشة قضية ما ، اللهم إلا تلك الافلام الرومانسية التي تجدها تبرز في سياقها فكرة الفرق الاجتماعي بين العاشق الفقير و ابنة الأكابر ، مناقشة تلك الفجوة الاجتماعية حتي لم تكن مقصودة من الأساس ، و إنما هو الواقع وقتها كان يفرض نفسه علي فكر كُتاب السيناريو و طريقة صياغتهم للأحداث...
لقد كان زمن الفن الجميل بحق ، لأنه لم يحمّل نفسه يوماً عبء الدخول في تفاصيل المجتمع بحجة البحث عن حلول لها ، لقد كانت الأفلام تتحدث عن فترتها بصدق و تلقائية واضحة ، لم تجد يوماً أحد الأفلام القديمة و قد كتب أسفل عنوانه : الفيلم يناقش قضية كذا و كذا...
المشكلة أن الفن في عصرنا الحالي أثبت فشله حقاً في معالجة أية قضية اجتماعية أو غيرها في صورة سينيمائية ، ذلك لأن الفيلم الذي يتم عمله بهدف مناقشة القضية ذاتها يفشل في عرضها بشكل واقعي صحيح ، لأنه يركز علي القضية ذاتها بشكل مبالغ فيه ، يجعلك تشعر أن المجتمع بأكمله لا يفعل شيئاً سوي التحرش في وسائل المواصلات ، أو الشذوذ الجنسي ، أو الزواج العرفي داخل كل جامعة و معهد...
امر آخر يتعلق بالحبكة الدرامية ، إن أي فيلم يحترم نفسه لابد و أن يحتوي علي حبكة درامية جيدة كي يكون فيلماُ جاذباً يستحق المشاهدة ، حسناً ذلك الأمر لا يفلح كثيراً مع تلك النوعية من الأفلام التي تستهدف عرض قضية ما ، ذلك لأن الدراما قد تبالغ كثيراً في طريقة عرضها لنماذج تمثل هذه القضية المنشودة ، تبالغ بشكل يشوه فكرتك أنت شخصياً عن مجتمعك الذي تعرفه و تعيش بداخله...
لقد كان زمن الفن الجميل جميلاً بحق ، فقط لأنه التزم بموقعه كفن ، و لم يحاول أن يلعب دوراً بطولياً لا يقدر عليه كأنه رسام حالم حاول مقاتلة فتوّة الحارة...
إنني لا أظن الفن يوماً سيكون أداة لحل مشاكلنا ، و لكنني أؤمن به كوسيلة عرض ممتازة إذا ما تم استغلاله بشكل ذكي و صحيح...

الجمعة، ٩ نوفمبر ٢٠١٢

دماغي الجذمة...




من كام سنة فاتوا...

-مش هتنزل تجيب هدوم شتوي ؟
-لسة يا أمي لسة.
-يابني الدنيا خلاص بردت.
-يا ستي انا غيركم مانتي عارفة ، صيف شتا حران.
-هايجيلك برد انت حر.

و بعد ما يجيلي برد...

-مبسوط ؟ قولتلك هايجيلك برد مسمعتش كلامي و عملتلي فيها طرازان.
-خلاص يا حجة اللي حصل حصل طيب.
-اعملك حاجة سخنة ؟
-و عايز بقسماط.
-بتتأمر كمان.
-هوا الواحد بيعيا كل يوم.
-يعني مبسوط و انت راقد و متنيل كده ؟
-لا مبسوط اني هاكل بقسماط ، دانا بستنا اعيا مخصوص عشان اجيبه.

السنة اللي فاتت...

-يابني تقل الدنيا بردت.
-لسة بدري.
-بدري ايه الشتا خلاص دخل.
-لا و انتي مسمعتيش ؟ الشتا مبقاش زي زمان ، انتي معندكيش خلفية ولا إيه ؟
-لا يا شيخ.
-اه و ربنا فاكراني بهزر ؟ الاحتباس الحراري غير مناخ الأرض خالص انتوا مش حاسين بحاجة اصلكوا.
-هايجيلك برد انت حر.

و بعد مايجيلي برد...

-يا حجة انتي شمتانة فيا ولا حاجة ؟ هوا انا مش ابنك بردو ولا لاقيتوني علي باب جامع ؟
-عشان بعد كده تسمع كلامي ، من يومك قفل و دماغك جزمة.
-ماشي ماشي متنسيش البقسماط بقا.

النهاردة...

-الشتا داخل هاتتقل إمتا ؟
-أما يجيلي برد. :@

الأحد، ٤ نوفمبر ٢٠١٢

تبرير...




لما خلص الشغل ع الغلاف ده ، اول حاجة فكرت فيها ان في ناس كتير مش هتعرف أصل الرواية دي كان ايه ، لإني مضطراً مسحت كل التدوينات القديمة المتعلقة بالرواية ، ولاقيتها فرصة اجاوب علي سؤال اتسألته كتير و هو : ليه سميت المدونة بالإسم ده ؟ و كانت فكرة اني اجاوب ع السؤال ده تقتضي شرح مطول ، فكنت بجاوب ان السبب من باب التجديد مش أكتر ، إسم يشد و خلاص ، علي أساس ان المرض النفسي مجال مثير للشغف و الفضول...
وحدهم أصدقائي المدونين و المتابعين القدامي للمدونة يعرفوا سر التسمية دي...
من حوالي 3 سنين ، بدأت سلسلة تدوينات بعنوان "من مذكرات مريض نفسي" ، كانت عبارة عن رواية مسلسلة ، و كانت مكتوبة باللغة العامية في أول أجندة ، لكن مع بداية تاني اجندة قررت انه يقتصر وجود العامية علي الحوار بس ، و مع تالت أجندة بقت التدوينات كلها بالفصحي ، و في تالت تدوينة من الأجندة الرابعة ، بطلت كتابة فيها ، و اقتصر نشاطي من بعدها علي تدوينات منفصلة عادية و قصص قصيرة ، و علي فترات متباعدة جداً...
خلال الفترة دي عملت صفحة للمدونة ع الفيس ، و شفطني الفيس ، و قل نشاطي اكتر ع المدونة لدرجة اني بقيت انزل بوست كل شهرين تقريباً ، و ده زعلني لإني بحب جو البلوجر جداً...
بمرور الوقت ناس نصحتني الم المذكرات في كتاب و انشره ، لكني مكنتش راضي عن التدوينات دي إطلاقاً ، خصوصاً ان أسلوبها مكانش ثابت ، اجندة عامي علي اجندة فصحي علي اجندة الاتنين مع بعض !
بس برغم كده الفكرة كبرت في دماغي ، رجعت كل التدوينات لوضع "المسودة" ، و بدأت اعمل إعادة صياغة شاملة للرواية ، الأسلوب و الاحداث و الشخصيات ، كل حاجة ، و دخلت بيها مسابقة لقصور الثقافة علي أمل انها تاخد مركز أول لإن المراكز الأولي بس اللي بيتنشرلها ، و الحمد لله ، خدت مركز تالت ، و متنشرتش...

***

المشكلة ان الحاجات اللي بنتمناها دايماً بتيجي متأخر أوي ، بعد ما يكون حماسنا تجاهها انطفي ، و بعد ما نكون خلاص أقلمنا نفسنا علي الوضع ده ، و عملنا من اليأس خلفية لكل أحلامنا...
مقدرش اقول اني محمدتش ربنا ، لكن فرحتي بالتعاقد علي نشر الرواية ، مكانتش علي مستوي الحدث ابداً ، كنت كإني بجبر نفسي علي الفرحة بيها ، بس كالعادة ميكانزم التبرير جوايا شايف شغله كويس أوي ، و كالعادة بيقنعني إن ده أحسن ، و ان الأحلام دايماً بتتحقق بعد طول انتظار و اقتراب يأس ، لإن اليأس بيولد الألم ، و الألم بيكسبنا عمق أكتر ، علي عكس الحماس الزائد ، بيبوظ كل حاجة...
بيتهيألي اننا أصلاً لازم نمر بالمراحل دي عشان نتعامل مع احلامنا اللي اتحققت بتعقل و نحافظ عليها ، لإن الحماس كتير بيكون صبياني و أهوج ، متسرع و غبي...
ناهينا عن إن الحلم بيكون دايماً كله عمق ، انا مفتكرش ف مرة اني حلمت بحاجة حلوة و كنت متحمس فيها ، دايماً بتعامل مع الحدث جوا أحلامي كإنه شيء مسلم بيه ، معتاد ، و لما اصحا و اكتشف انه مجرد حلم ، بستنا فترة ، و بعيش علي أمل ، و بحاول ، و بيأس ، لحد ما اكتسب نفس العمق اللي كنت فيه جوا الحلم...
و يتحقق الحلم...
و اكتشف انه كان مجرد تنبؤ بحالتي بعد الانتظار و الأمل و المحاولة ، و اليأس...
الحلم بيسبق الأحداث ، و يتجاهل التفاصيل...
و يوصلنا للصفحة الأخيرة بس...
الصفحة اللي بيكون فيها البطل اتغير تغير جذري بعد كل الخبرات المحورية اللي شافها في حياته...

***

أنا في المعتاد مبحبش الأعياد ، او علي الأصح مبحبش اللي الناس غيروه في طعم الأعياد ، بس العيد اللي فات بالذات كنت محتاجه أوي ، لإنه خلي يوم التدريب أجازة...
الحالة اللي قعدنا معاها في العباسية زيارة واحدة بس لحد دلوقت ، معرفش ليه مش عايز اقابلها تاني ، يمكن لو كان مرضه صعب كنت قدرت اتعامل معاه ، بس الحقيقة ان الحالات البسيطة هيا اللي بتوجعك أكتر ، لإنها مش منفصلة تماماً عن الواقع زي الحالات المتقدمة ، لأ دي قريبة أوي من الواقع اللي عايشينه ، و أسبابهم بتتشابه مع أسبابنا ، و مشاكلهم نفس مشاكلنا ، و بيعرفوا ازاي يوصلوا أفكارهم كويس...
في الأول لما كنت بقرا ان الأخصائي لازم ياخد دورات معينة عشان يقدر يتعامل بحيادية و موضوعية مع الحالات ، كنت بقول ان الموضوع يمكن مش مستاهل كل ده ، و ان من السهل جداً انك تنحي مشاعرك و خبراتك و شخصيتك علي جنب بعيداً عن قدارتك التشخيصية ، لكن فعلاً كنت غلطان...
كلنا مرضي ، أو للدقة علي حافة المرض...

الجمعة، ١٩ أكتوبر ٢٠١٢

إرتقاء...



لأول مرة مش عارف اعبر...
عايز احس بروحي و مش عارف...
عايز ابطل افكر ، و ابدأ احس ، و مش عارف...
و مش عارف ليه انا مش عارف...
فاكرة ميكانزمات الدفاع ؟
اهو انا بقا اكتشفت ان عندي ميكانزمات خاصة بيا لوحدي...
بقيت لما اقفش نفسي وانا بحس ، بعدها بفترة احس بتفاهة اني احس...
و اعاقب نفسي بالتفكير في كل مشاكل العالم دفعة واحدة...
و أقول لنفسي احساس ايه ده اللي ف عالم عديم الإحساس أساساً...
دانا حتي لو حسيت وسط كل المشاكل دي ، أبقا عديم الإحساس...
كلها كام شهر و هلبس جيش إن شاء الله...
مظنش اني وقتها هحتاج ميكانزمات...
عشان غصب عني لازم هلغي الإحساس...
في فيلم شفته قبل كده اسمه إكوالايبريم...
عن مدينة اسمها ليبيريا...
بيعتبروا الإحساس فيها جريمة عقوبتها الحرق و انت حي...
كان نفسي أوي اكون عايش في المدينة دي...
كل اللي شافوا الفيلم تعاطفوا مع الكاهن لما ابتدا يحس...
تعاطفوا معاه لما قاوم النظام...
و قرر ان من حق الشعب انه يحس...
يمكن انا الوحيد اللي لعنته ف سري علي غباءه...
و كرهت نهاية الفيلم...
النهاية اللي مفروض انها سعيدة...
المشكلة اني من شوية شُفت نفس الفيلم...
و بدأت احس ان النهاية دي فعلاً سعيدة...
حبيت اسجل الحالة دي عشان مش بتتكرر كتير...
و عشان عارف ان اول ما نور الشمس يطلع...
هرجع احس بتفاهة كل الكلام ده من تاني...
و اكره بطل الفيلم من تاني...
و اكره النهاية اللي كانت سعيدة من تاني...

الأربعاء، ١٩ سبتمبر ٢٠١٢

المناقشة التي لم تكن يوماً كذلك...




تلك العملية الغامضة المسماة بالمناقشة ، إنني حتي الآن لم أفهم ماهو كنه المناقشة تحديداً ، هل تعني البحث عن حلول لمشكلة ما ؟ لا أظن...
علي الأقل في بلد كهذا...
إنك تسمع عن ندوة تقيمها جمعية "الركض خلف ظلال المستقبل" او ما شابه لمناقشة أمر ما يخص الشباب ، هل سبق ان خرجت من تلك الندوات بحل ما لهذه القضية ، فكرة واقعية يمكن تنفيذها ؟ إن الامر لا يزيد علي ذكر المشكلة ذاتها ، مع بعض التحسر و المقارنة بين بلادك و الغرب ، بالإضافة لبعض من "يجب علينا أن..." ، ثم تخرج من الندوة مفعماً بالأمل في غد أفضل ، شاعراً أن البذلات الأنيقة التي يرتديها هؤلاء الرجال تدل علي أنهم يدركون ما يفعلونه حقاً...
ما الذي غيرته المناقشة إذن ؟ و اين المناقشة أساساً في ندوة لا يتحدث فيها سوي الجالس فوق المنصة ؟!

ذلك الوصف اللعين الذي تجده اسفل عناوين فئة معينة من الأفلام المصرية : الفيلم يناقش قضية التحرش ، يناقش قضية الشذوذ ، يناقش قضية الزواج العرفي ، إنها الكلمة التي يدسونها دساً لتجميل هذه النوعية من الأفلام حتي صارت كلمة المناقشة وحدها تحمل لي طابعاً مثيراً...
و كالعادة لا يقدم لك الفيلم حلاً واحداً يمكن الإمساك به ، أنت تشاهد بعض اللقطات المثيرة للغرائز محاولاً إقناع ذاتك أن المجتمع صار بهذا الإنحطاط حقاً ، لذا فإن ما تشاهده الآن لا يفترض أن يكون شاذا أو غريباً ، إنهم يفعلون ذلك في كل مكان هذه الأيام...
إذن بالله عليك ما هي نوعية تلك المناقشة المتمثلة في بعض المشاهد الإباحية ؟ في الواقع لو كانت المناقشة بهذه السهولة لانتظرت الإمتحانات بفارغ الصبر ، إنهم يأتونك دائماً بتلك الكلمة اللعينة في سؤال ما...
ناقش كذا و كذا حينما قام فلان بعمل كذا و حين لم يقم بعمل كذا و حين كان من المفترض به أن يقوم بكذا...
لماذا لا يقولون ببساطة ناقش الفصل كذا من الكتاب و انتهي الأمر ؟ إن السؤال الذي يبدأ بهذه الكلمة المزعجة لابد و ان يعني دائماً أن تفرغ كل ما بذاكرتك عن هذا الفصل المنشود من الكتاب...
أين تلك المناقشة إذن حين لا تعني شيئاً سوي أن تتقيأ ما بداخل ذاكرتك علي الورق ؟!
الأمر الذي أخجل من قوله ان هذا المقال وحده قد يكون مناقشة ، مناقشة المناقشة ، لأننا كالعادة لن نخرج منه بنصف شئ مفيد...
لقد بدأت أظن يقيناً-ولا تسألني كيف-أنني سأموت قبل أن أدرك المفهوم الحقيقي للمناقشة ، ولا أتوقع من أحد العلماء أن يقدم ذات يوم تعريفاً موضوعياً للمناقشة ، لأنه قبل أن يفعل ذلك سيحتاج للكثير و الكثير من المناقشة...

الاثنين، ٢٠ أغسطس ٢٠١٢

ما أجمل أن تكون وغداً...



حين وصلت إيزابيلا لباب منزله أخذت نفسا عميقا محاولة استيعاب الموقف بكل حواسها ، فتلك المرة الأولي التي ستري فيها والدها البيولوجي الحقيقي ، والدها التي ورثت عنه ملامحه و تفكيره ، الأمر يبدو مثيراً للوهلة الأولي لكن ما تخشاه ألا يتذكرها ، أو ينكر علاقته بها من الأساس...
لفت نظرها وجود نوع من الكتابة الصينية علي ورقة ملتصقة علي الحائط بجانب الباب ، هل قطعت كل هذه المسافة نحو مصر كي تلتقي بوالدها الصيني ؟ أي سخف هذا...
هكذا مدت يدها المرتجفة لتضغط علي زر الجرس في توتر و استعداد...
بعد ثوان فتح الباب رجل في الثلاثينات من عمره يرتدي فانلة داخلية بيضاء بينما شعر صدره يكاد يخرج منها مستنجداً...
كادت أن تفتح فمها لتقول شيئاً لكنه ما أن رأها حتي ضرب كفا بكف متعجباً دون سبب واضح...
-وضعت لكم ورقة بالعربية فلم تفهموا ، بالإنجليزية لم تفهموا ، بالصينية لم تفهموا ، ما مشكلتكم معي تحديداً ؟
بالطبع لم تسعفها إجادتها البسيطة للعربية أن تفهم شيئا مما قاله ذلك الكائن المتكور ذو الكرش المتدلي ، لكنها أدركت أن هناك ما يغضبه حتما...
-عفواً أنا لا أفهم عم تتحدث حقاً.
-و منذ متي تفهمون علي أية حال ؟ للمرة الألف أخبركم أنني لا أشتري منتجات صينية ، فلتحملي حقيبتك اللعينة و لتعودي لبلدك.
-هل أنت الأستاذ مجدي ؟
نظر إليها قائلا في تشكك...
-هذا يتوقف علي ما تريدينه بشأنه.
مدت يدها مصافحة في تلقائية و قالت...
-أنا إيزابيلا ، أنا ابنتك.
هنا دوي صوت صوت صراخ أنثوي من الداخل مثيرا فزعهما معاً ، لوهلة احتار مجدي فيما يفعل تحديداً لكنه وجد نفسه مدفوعاً ليستفهم عما يحدث بالداخل...
************************
في الثالثة و النصف عصرا كان طارق ينعم بواحدة من أفضل القيلولات التي حظي بها في حياته ، فقط قبل أن يجد من يطرق بابه بعنف كما تفعل الشرطة في الأفلام المصرية القديمة...
طخ طخ طخ...
و رغم قوة الطرق إلا أنه لم يكن من الذين يكترثون كثيراً لأي شئ بقدر ما يكترثون لأمر راحتهم ، لذا فإنه تجاهل الصوت ليعود مرة أخري إلي أحلامه...
************************
-أقبضوا عليه.
-انا برئ يا حضرة الضابط صدقني لم أفعل شيئاً.
-سيد طارق أنت مقبوض عليك بتهمة اختلاس طبقة القشدة من فوق أكواب الزبادي.
-صدقني يا حضرة الضابط أنا مظلوم ، أعني أن الأمر لا يقاوم حقاً لكنني مظلوم.
************************
طخ طخ طخ...
-من بالباب ؟
-أنا مجدي جارك يا أستاذ طارق من فضلك افتح بسرعة.
-هل تعلم كم الساعة الآن ؟ إنها الثالثة عصرا.
-زوجتي جائها المخاض عنيفا.
-ربما عليك إعادة النظر في اختيارك إذن فأنا لست بطبيب توليد.
-نريد منك توصيلنا بسيارتك للمستشفي.
************************
هل ضجرت من قفصك أيها العصفور ؟
هل تود الإنتقام من سجانك العاطفي السخيف ؟
فقط و حصريا نقدم لك ، أقفاص صدرية مصنوعة من عظام البشر ، لك خصيصا و بجميع الأحجام...
************************
-أستاذ طارق ، يا أستاذ طارق.
-خيرا ؟
-أنت تنام علي نفسك.
-شكراً علي المعلومة ، هل ولدت زوجتك شيئا بعد ؟
-ليس بعد.
-حسنا سأجلب لنفسي بعض القهوة ، هل تريد ؟
-لا شكرا.
************************
حين هبط طارق إلي الدور السفلي كان مايشغل باله هو كيف تنتهي الأحلام تلك النهاية المثالية دون مقاطعة و كأنها تدرك جيدا أن هناك من سيوقظه في هذه اللحظة...
لكنه نسي الأمر سريعا بمجرد أن وجد من يربت علي كتفه بهدوء...
-مستر تارك ؟
-مالم تكن هذه محاولة سخيفة لتصنع الرقة ، فنعم ، أنا هو.
مدت يدها قائلة...
-أنا إيزابيلا.
-زعبولا من ؟
-إيزابيلا ، أنا ابنة السيد مجدي.
رفع حاجبيه قائلا في دهشة...
-السنين تمر سريعا حقا ، إنني مازلت حتي لم أجلب قهوتي بعد.
-أعذرني لا أفهم العربية جيدا.
-عفوا لكن هل تقابلنا من قبل ؟ لقد استيقظت لتوي من النوم.
************************
حين عاد طارق وجد مجدي يحمل طفله بين يديه في سعادة بلهاء لم ير مثلها من قبل...
-هل تود تقبيل المولود ؟
-إممممم ليس الأمر شخصيا حقا و لكن..ذلك الشئ قد خرج لتوه من أحشاء امرأة ، و كونه ينبض بالحياة لا يثير بداخلي الحماس حقا لتقبيله ، ليس قبل تنظيفه بالمياه علي الأقل.
رفع مجدي حاجبيه محاولا التهام كلماته بصعوبة ، قبل أن يبادره طارق بسؤال آخر...
-ذكر أم أنثي ؟
-أنثي ، أمها تقول أنها ورثت أكثر ملامحها عني ، و خصوصا الأنف.
-و أنت صدقتها.
-و لم عساها تكذب ؟
-لا أدري حقا و لكن هل تعلم كم يستغرق المولود حتي يكتسب ملامحه الأصلية الموروثة ؟ إن كل الرضع يشبهون الفئران فور ولادتهم لذا فزوجتك تقصد بشكل ما أن ملامحك أقرب ما تكون لـ....ملامح فأر.
-يمكنك الرحيل يا سيد طارق لقد أرهقناك معنا اليوم.
رد طارق في برود مشيرا بإصبعه لنهاية الرواق...
-ليس قبل أن أري هذا المشهد الدرامي القادم.
حين نظر مجدي لما يشير نحوه طارق لم تهتز له شعرة ، فقط أعطي طارق المولود قائلا...
-هل يمكنك عدم قتل طفلتي لبضع ثوان ؟ صدقا لن أتأخر.
-سأفكر بالأمر.
************************
بعد بضع دقائق مرت الفتاة باكية من أمام طارق بينما تقول شيئا بالإسبانية بدا له و كأنه سبة بذيئة ، و ما أن رأي مجدي قادما من خلفها حتي قال له منزعجا...
-أيا كان ما فعلته بهذه الفتاة فهو يروق لي حقا ، فجمالها الزائد هذا لم يكن مريحا علي الإطلاق.
مط مجدي شفتيه قائلا...
-امممم نعم ، ليس هناك أجمل من أن تكسر قلب فتاة جميلة ، ليس هناك أجمل من أن تكون وغدا ، تنمحي مشاكلك كلها قبل أن حتي أن تبدأ.
هنا نظر طارق نحوه مندهشا فاستطرد قائلا...
-و هل تعرف ايضا ؟ أنت محق للغاية في نظرتك نحو طفلتي ، كيف أسمح لعاطفتي كأب أن تتغلب علي أبسط قواعد النظافة التي تعلمتها ؟
هنا تحولت نظرة طارق من اندهاش إلي فضول فقال مبتسما...
-ما الذي حدث تحديدا ؟
جلس مجدي بجانب طارق قائلا في تأمل...
-لقد قضيت فترة من حياتي بإسبانيا ، و ارتبطت عاطفيا بفتاة إسبانية لكنها كانت علاقة قصيرة للغاية.
-أها ، الآن أفهم.
-كوني مكثت فترة في إسبانيا لا تعني بالضرورة أن لدي ابنة إسبانية ، أمور كهذه تستغرق وقتا و جهدا كما لابد أنك تعلم.
-أمور كهذه لا تستغرق أكثر من ليلة واحدة يا سيد مجدي.
-هل تشكك في أخلاقي ؟
-معاذ الله ، أنا فقط أصحح المعلومة.
-كل مافي الأمر أن أمها قبل أن تموت بالسرطان أعطتها خطابا لتعطيه لي ، و أخبرتها أنني أبيها ، فقط لأكتشف انها ترجوني في الخطاب أن أتبني ابنتها لأنها لا تثق في أي رجل عرفته سواي ، لقد بالغت في عشمها تجاهي ، بالغت كثيرا.
-لحظة واحدة ، الأم التي ماتت هي تلك الفتاة التي ارتكبت فعلتك معها.
-نعم و لم ارتكب شيئا معها.
-ألا تشعر بقليل من الأسي لموتها ؟
-حقا ؟ هل هذا هو كل ما أثار اهتمامك فيما قلته ؟
-منذ دقائق رأيتني وغدا لأنني رفضت تقبيل طفلتك ، هل تعلم كيف أراك الآن ؟
-ليس هذا موضوعنا ، لقد أخبرتها بحقيقة الأمر علي كل حال ، ستبكي قليلا ، ستمقت المصريين لآخر يوم في حياتها و ربما تساهم في تعطيل حركة السياحة ، لكنها ذات يوم ستنسي الأمر.
-هل تريد إقناعي بأنها احتفظت بخطاب أمها إليك و قطعت كل تلك المسافة دون أن يراودها فضول بشأن ما بداخل الخطاب ؟
-إمممم ، في المعتاد يقيم الأوروبيون وزنا لوصاياً الموتي لو كنت تفهم قصدي ، إنهم شعب عاطفي إلي حد ما.
رفع طارق حاجبيه قائلا...
-إنها حماقة و ليست عاطفة ، لكنك فعلت الشئ الصحيح علي كل حال.
-نعم ، أنا أيضا أقول ذلك ، بالمناسبة أين طفلتي ؟!

الجمعة، ١٧ أغسطس ٢٠١٢

إنطباعات...



بحبك ما بعرف هن قالولي...
من يومها ، صار القمر اكبر ع تلالنا...
و صارت الزغلولي تاكل ع إيدي اللوز ، و السكر...

فيروز قالت ان الحب يجعل حياتك أفضل ، قالت انه يلبسك نظارة الفرح و السعادة ،لم تكن فيروز يوماً بتلك النرجسية التي تدفعها لقول أن العالم نفسه قد تغير من أجلها ، لأن العالم لا يهتم لأمر أحد ، إنما الأمر يتعلق بنا دائما ،  منا و لنا...

غمض عنيك ، و ارقص بخفة و دلع...

أكثر الفنانين إبداعاً هو من يحقق لك ما تريد فعله بداخلك ، يحرره في صورة عمل فني أياً كان نوعه...
و لكن جاهين ، جاهين يدفعك دفعاً لأن تفكر فيما يريدك أن تفكر فيه ، لم تكن لدي يوماً أمنية الرقص تحت المطر ، لكن جاهين فعلها ، جعلني اتمني إغماض عيناي اسفل المطر ، المشكلة أنني لا أعرف كيف أرقص من الأساس ، لا تحت الشمس ولا المطر...

كاين رق و حنون ، أو مايل ع الغصون...
و إذا هلأ حبك غير ريته عمره ما يكون...

هل تري ؟ لسبب كهذا أعشق فيروز ، امرأة تدرك جيداً ما تريده و كيف تريده ، تريد ما اختارته منذ البداية ، ولا تسير خلف مشاعرها فحسب كأي امرأة أخري...

السبت، ١١ أغسطس ٢٠١٢

مجرد كابوس آخر...



لا تدري كيف انتهي بك المطاف إلي هنا ، أنت فقط تدرك أنك هنا الآن...
الجو كابوسي ، بل هو كابوس حي ، يفرض عليك واقعه الخيالي كأي كابوس يحترم نفسه ، و أنت تصدق هذا الواقع و تعيشه كأي نائم يحترم نفسه...
الزحام خانق في هذا المكان ، و تلك الشموع تزيد الأمور سوءا ، ربما لو حل الظلام لارتحت و سكنت نفسك قليلا ، لكنك تدرك جيدا أنه من المستحيل أن تهدأ نفسك في هذا الجو المشبع بالتوتر ، بالخوف ، بالموت...
صوت القذائف يأتي من بعيد ، و صوت الصرخات يأتي أعلي ، أحد الشيوخ قد افترش الأرض في أحد الأركان ، يقرأ القرآن محاولا تجويده في ثبات لكن أعصابه لا تصمد طويلا ، و كلما تناهت الصرخات إلي مسامعه كلما علا صوته بالقراءة أكثر ، و انهمرت دموعه أكثر...
نعم ، حتي الشيوخ يهابون الموت رغم اقترابهم منه و شعورهم بدنوه...

الثلاثاء، ١٢ يونيو ٢٠١٢

أسطورة مبني السكاشن...



بقدر ما أحب الصباح إلا أنه يحمل لي قدراً لا بأس به من الذكريات السوداء ، خاصة مع الإمتحانات... 

و بالنسبة لطلبة حلوان فهم يدركون جيداً ذلك الشعور اللعين الذي يراودك أثناء انتظارك عند مبني السكاشن ، بينما الرجل المزعج-الذي أتمني رؤية وجهه قبل تخرجي ولو لمرة-يتحدث في مكبر الصوت من مكان ما ، متوعداً الطلبة بيوم أسود من قرن الخروب إن قام أحدهم بالغش او اصطحاب نصف قصاصة ورق معه... 
الموقف في أول سنتين يختلف اختلافا جذريا عنه في آخر سنتين... 
فنظرا لأن مواعيد الإمتحانات في أول سنتين تبدأ في الصباح فإن لخبراتك السابقة مع الإستيقاظ المبكر للذهاب للسجن الدراسي المسمي "المدرسة" أثرها في جعل قلبك ينتفض هلعا ككتكوت قد وقع في إناء شربه للتو... 
ولو أنك حظيت في طريقك لحلوان بعربة مترو يؤمن ركابها بأن الصمت مفيد أحياناً فإنني أحسدك حقا ، خاصة لو لم تصادف في طريقك بمعجزة ما بعض الطلبة المبتسمين إلي الأبد المثرثرين بلا انقطاع و كأنهم ذاهبون إلي كوكي بارك و ليس إلي امتحان... 
مبني السكاشن له هيبته حقاً في أول سنتين ، خاصة و أن شبورة الصباح في حلوان تصنع حوله جواً من الغموض يذكرك بقصور مصاصي الدماء ، و علي أي حال فإن كل هذا التوتر يزول ما أن تخرج من اللجنة ، صدقاً تجد في نفسك رغبة غريبة في تقبيل مشرف الدور أو أيا كان ما يفعله ذلك الكائن العصبي الذي يتنقل بين اللجان كالفرقع لوز متوعداً الطلبة بيوم أكثر سواداً من الذي أخبرهم به رجل الميكروفون ، الفرق هنا أنه يتوعد الجميع بلا استثناء ، فهو لديه افتراض ثابت أنك جئت هنا فقط لتغش... 
أيا كانت طبيعة آدائك في الإمتحان فإنك-بعد أن تنتهي من تقبيل المشرف-ستهبط للأسفل شاعراً أن العصافير تغرد فقط من أجلك أنت ، و أن الشمس دافئة و جميلة ، و أنه لا شئ في هذه الحياة يستحق الإنزعاج لأجله طالما انتهي الإمتحان... 
أما في آخر سنتين فالأمر يختلف كثيراً ، فامتحانك يبدأ من الساعة الواحدة ظهراً ، أي أنك أحد المحظوظين ببعض الساعات الإضافية لمراجعة المادة في منزلك ، و ربما رؤيتها للمرة الأولي ، لكنك ما أن تهبط من منزلك حتي تدرك أن الشمس دافئة أكثر من اللازم لدرجة أنها لا تطاق ، المترو حار للغاية و الناس جميعا ألسنتها أشبه بأجنحة الذباب... 
مبني السكاشن يبدو سخيفاً و مستفزاً للغاية حتي لتشعر أنك تريد الدخول سريعاً و الانتهاء من كل هذا حتي لو كنت ستترك الورقة فارغة ، علي الأقل هناك بالداخل مراوح رائعة تنقذك من هذا الجو اللعين... 
لكنك-بعد أن تنتهي من تقبيل المشرف كالعادة-لن تشعر بالأسفل بفارق كبير ، فالشمس كما هي و ازدادت حرارة ، لكنك علي الأقل تشعر بأن الحياة صارت أجمل قليلا...
Share |