الثلاثاء، ٢٠ سبتمبر ٢٠١١

عقدة الجاكوزي...



كان يقود سيارته في هدوء حين حين حانت منه نظرة نحو متجر الأدوات الصحية ، ذلك المتجر الذي يمر به في طريقه للمنزل علي الدوام ، الآن يري به شيئا مميزاً ، الآن يكن له بعض الإحترام...
هكذا وجد نفسه يترجل من السيارة نحو المحل ثم توجه نحو البائع قائلا في تردد...
-عندكوا جاكوزي ؟

******************************************

لطالما كان حذراً في كل شئ...
و منذ طفولته و حتي الآن مازال يخشي صدمة مياه الدش الباردة حتي ولو كان الجو حاراً لا يطاق ، لطالما لازمته عادة فتح مياه الدش ببطء لتسقط قطرات منها علي ظهره أولاً ، ليزيد من قوة المياه تدريجيا بعدما يتأقلم جسده علي برودتها...
لطالما كان حذرا في كل شئ ، لطالما كان خجلاً مع النساء...
و رغم أنها كانت تشاركه في العمل مكتب واحد لثلاث سنوات متتالية ، إلا أنه لم يستطع يوما مصارحتها بمشاعره نحوها ، كان يؤمن أنه حتماً سيأتي يوماً ليصارحها فيه ، و أن كل مافي الأمر أن لحظته لم تأت بعد ، و لأنه يدرك جيداً أنها لو رفضته فلن تعود الأمور بينهما لسابق عهدها ، و هو لا يريد أن يجازف بهذا ، علي الأقل في الوقت الحالي ، علي الأقل حتي تقتضي الأمور ذلك...
كانت جميلة لكنه لم يراها يوماً من تلك الزاوية ، فقد كان يراقب تفكيره نحوها دائماً خشية أن يفكر نحوها كبقية الرجال ، هو لا يريد أن يقع في حب مجرد تركيبة جينية رائعة ، بل يريدها كروح و مشاعر ، تعابير و أفكار...
كان يعشق نمطيتها لأنها تذكره بنفسه ، كان يشعر أنه بهذه الطريقة يفهمها جيدا ، و يتوقع القرارات التي ستتخذها و الأختيارات التي ستختارها في أكثر من موقف ، و قد كان هذا يكفيه ، و يشعره بالرضا الداخلي ، يشعره بأنه صار أقرب ما يكون إليها دون أن يجازف بشئ...
لكن الأمور تبدلت بعد ذلك ، و ربما قد لا يلاحظ أحد ذلك لكنه لاحظ ، لا أحد يكسر الروتين الخاص به مالم يكن الأمر أكبر من مجرد كسر للروتين ، لأن التفاصيل الكبيرة هي نتاج غير مباشر للتفاصيل الصغيرة ...
فجأة صارت تشرب القهوة بإفراط ، رغم أنها كانت تتحدث دائماً عن أضرار الإسراف في تناولها ، صارت تأتي للعمل متأخرة و علي وجهها علامات الإرهاق ، بدأت تهمل في التزاماتها داخل العمل ، و كثرت مشاجراتها مع المدير ، حتي جاء ذلك اليوم الذي عادت فيه من مكتب المدير باكية و بدأت تلملم متعلقاتها من علي المكتب...
-في إيه ؟
-المدير طردني.
-ليه بس ؟
-مش وقته مش وقته.
و أخذت حقيبتها و غادرت...
كان عقله في تلك اللحظة يعمل بسرعة ، أدرك للمرة الأولي أنه لا يعرف عنها أي وسيلة اتصال أخري ، لا رقم هاتف ولا عنوان منزل ، أشياء كهذه تتطلب منه شجاعة كبيرة ليطلبها ، و من الوارد جداً ألا يتمكن من رؤيتها ثانية بعد الآن...
هكذا لم ينتظر ، خرج من مكتبه مسرعاً ليلحق بها في المصعد ، لكن الأوان قد فات و بدأ مؤشر المصعد يهبط إلي الأسفل سريعاً...
طار فوق السلالم محاولاً اللحاق بها ، و حين وصل إلي الأسفل وجد المصعد فارغاً ، لكنها لحسن حظه كانت أمام البناية تحاول إيقاف تاكسي...
ناداها بصوت عال فالتفتت نحوه بعيون تحاول أن تبدو متماسكة ، و حين وصل إليها تأمل وجهها لثوان شاعراً بغرابة في الأمر ، لقد قضي شهوراً يضع خططاً و تصورات لتلك اللحظة ، لكن القدر كالعادة فاجأه بسيناريو مختلف تماماً ، هو لم يكن مستعداً لهذا الموقف و هي في أفضل حالاتها فماذا و هي في تلك الحالة المزرية ؟
إنه يشعر و كأن مقبض الدش قد انكسر منه فجأة في مرحلة مبكرة ، أو أن المقبض (فوّت) في غير وقته و انهمرت المياه الباردة فوق جسده...
هكذا قال لها لاهثاً من كثرة الركض...
-إسمعي ، متمشيش ، انا عايز اقول حاجة.
-حاجة ايه ؟
-لحظة بس آخد نَفَسي.
ظل لثوان يتأمل السيارات و المارة متظاهراً باستمرار مشكلته مع التنفس ، بينما كان في الواقع يحاول كسب بعض الوقت ليضع صيغة مناسبة للكلمات...
و برغم ذلك كان هذا مستحيلاً ، التفكير وسط كل هذا الضغط العصبي شئ مستحيل ، لذا سلم أمره لله و ترك لسانه يتحدث...
-أنا بحبك ، قولتي ايه ؟
لم تندهش ، و لم تغضب ، في الواقع ابتسمت في استهتار بدا متوقعاً وسط تلك الدموع ، إن مشاعرها الآن غير متزنة ، و ربما في ظروف أخري كانت ستختلف تعابير وجهها عن ذلك...
في البداية لم تقل شيئاً ، فقط أشارت لإحدي سيارات الأجرة التي توقفت أمامها ، و بدا له أنها لن تعلق علي كلماته أبداً ، لكنها حين فتحت الباب و قبل أن تركب توقفت قائلة...
-كل الوقت ده و جاي تتكلم دلوقت ؟ و في الموقف ده ؟ إنت بجد صعبان عليا.
ثم أغلقت الباب خلفها و ذهبت بعيداً...
بدت له في هذه اللحظة غريبة عنه ، بدأ يشعر أنه كان موهوماً ، و أنه لا يعلم عنها كل شئ حقاً كما يتصور ، لأن الناس لا تتغير هكذا بسهولة...
هو لم يكن حذراً ، ولا صبوراً ، هو كان خائفاً...
ربما اتخذ وقتاً طويلاً بعد ذلك كي يتناسي الأمر ، لكنه كان شاكراً لها ، لأنها علمته درساً هاماً للغاية ، علمته أن المجازفة لا تعني بالضرورة خسارة كل شئ ، و أن الخسارة نفسها ليست بالشئ السئ أحياناً ، لأنها توفر علينا من الوقت و المجهود ما يسمح لنا بالبحث في أماكن أخري قد نجد فيها ما نريد...
و الأهم من كل ذلك أنها علمته كيف يفتح مياه الدش دفعة واحدة بلا تردد ، أو يتخلص من عقدة الجاكوزي و يشتري واحداً...

8 التعليقات:

BNT ELISLAM يقول...

كتير حلوه والفكره جميله
بس هى مغلطتش يمكن هى كانت واخده بالها منه ومن تصرفاته بس استغربت موقف زى ده هو لم يقدر الموقف وارتباكها
وعصبيتها حتى لم يحاول معرفه ايه الى حلها فجائها بموضوع مختلف عن المود الى هى فيه
وفعلا هناك قرارات لابد
الاخذ فيها وقتىاسف لاطاله وتحياتى لك

Ali Soliman يقول...

حاجات كتير بننتظر الوقت المناسب ان نقولها بس بيكون الوقت عدى فيها وفات

الخجل دا بيخلى دائما الوقت عمره ما بيبقى مناسب

غير كدا التوقيت فى الاعتراف بالحب مكنش فى محله كان دا يحتاج لجو من الطرف الاخر لتقبله ..وتحياتى ليك :)

هبة يقول...

هو اكيد بس مش خايف أنها ترفضه ، أكيد برضه كان خايف انها توافق..ساعات بنخاف ان احلامنا تتحقق لانها ساعتها ممكن تكون مش بالشكل اللي اتخيلناها بيه..بوست جميل قوي

.:: مــ ج ـروحـ،،ــة الــفــؤاد ::. يقول...

جميلة جدا القصة ومعبرة

الخوف لا يكمن في ما تخاف منه بل قابع في عقل الانسان حتى مخافة الله فنحن لم نرى ناره لكن هي مخافته تقبع في العقل ويقرها القلب
لذلك لمجابهت مخاوفك جابها اولا في عقلك لنتصر عليها في الواقع الظروف احيانا تخرجنا عن نطاق عاداتنا وتجرنا الخوض نزاعات نتحاشاها لا تنتظر الحياة لترسم لك شكل المعركة
خطط لمعركتك وابدا الهجوم لا شيء لتخسره
الرب واحد والعمر واحد ونهاية الحياة الموت لا نهاية اخرى تكتب
والاجل محدد ومكتوب منذ دبت فيك الروح


المهم اشترى الجاكوزي والا لا ده اهم حاجة في القصة ^_^

اسلوبك في العرض جميل .. وواضح

موناليزا يقول...

وجون وجون وجوووون
تصفيق حاد
حلوة أوى بجد

مصطفى سيف الدين يقول...

عرض شيق لقصة ممتعة تصل بنا لحكمة بليغة
روعة
استمتعت هنا

Ramy يقول...

للحظات .....

قلبى اتخطف مع الأحداث

و حصلى زى حالة هلع

........

بس يا حسنى بقيت غير طبيعى فى وصف المشاعر الأنسانية

أستمر يا حسنى

(:

Unknown يقول...

بنت الإسلام...
في القصص مفيش يمكن ، دانا قصدي اوصل فكرة معينة من خلال الموقف بس انا اللي فاشل في وضع حبكة درامية كويسة :))

Share |