هل تعرف شيئاً عن فن
الرسم في الظلام ؟
بالطبع تعرف ، دعني أؤكد لك أنك مارسته مراراً منذ ولدت و حتي الآن ، إنه أشبه بعملية تصفح لذلك النيجاتيف العملاق لذكرياتك ، لكنك تعيد رسمه بالطريقة التي كنت تتمني أن يكون عليها في الواقع...
حين تغمض عيناك يصبح
الرسم أكثر سهولة و انسيابية ، بإمكانك تخيل أي شئ و لتدعه يرتسم وحده ، الفارق الوحيد هنا أنك لن تستخدم ألوان خارجية ، إنه الأبيض فحسب يظهر وحده من العدم ، ينبثق لمزيد من الدقة ، يزحف و يتشكل علي استحياء ، و أحياناً في وقاحة...
ستري في البداية رسوماً تجريدية حمقاء ، أحياناً يخيل لي أن الفنان التجريدي لا يفعل شيئاً إلا ترك أصابعه حرة علي الورق ، ترسم كيفما شائت ، أو أنه يغمض عينيه مثلما نفعل الآن ، ثم يرسم ما ينبثق من صفحته السوداء...
لماذا لا يسمونه الفن العفوي ؟!
ستري في البداية رسوماً تجريدية حمقاء ، أحياناً يخيل لي أن الفنان التجريدي لا يفعل شيئاً إلا ترك أصابعه حرة علي الورق ، ترسم كيفما شائت ، أو أنه يغمض عينيه مثلما نفعل الآن ، ثم يرسم ما ينبثق من صفحته السوداء...
لماذا لا يسمونه الفن العفوي ؟!
حسناً هل تري الآن ما يشبه انفجارات نجمية بيضاء ؟ إنك مازلت في البداية إذن ، كل تلك الأمور أشبه بلوجو الفوتوشوب الذي يظهر قبل فتح البرنامج...
و الآن حاول تتذكر وجوهاً اشتقت لها ، و وجوهاً لا تتمن رؤيتها ثانية ، و وجوها لم تعد تذكر أساسا لمن هي...
تذكر وجهها...
تذكر أوقاتا تعلم يقينا أنها لن تعود ، تذكر أماكن تعلم أنك لن تعيد زيارتها مهما وعدت نفسك بذلك...
تذكر من كنت ، و من أنت ، و من ستكون...
تذكر من كانوا يوماً محور حياتك و فجأة اختفوا كأنما لم يكونوا ، أو كأنما بعثهم الله لك في مرحلة بعينها ، ثم ما أن أنتهوا من مهمتهم حتي عادوا إلي حيث يأتي أمثالهم من الرائعين...
تذكر السماء التي لم تراها منذ زمن ، و كيف كنت تحدق بها من سطح منزلك و تدور حول نفسك شاعراً بالاتساع و اللاحدودية...
تذكر الطائرات الورقية في عطلة الصيف ، و كيف لطالما تمنيت في صغرك لو أن بإمكانك صنع واحدة ، و كيف كان مشهد الطائرات الورقية في السماء يشعرك بالسلام الداخلي ، لكن عظمة المشهد لم تسمح لك أبداً باستيعاب فكرة أن تكون أحد المساهمين في تلك اللوحة الرائعة...
أنا لم أستطع أبدا و حتي الآن تحليق طائرة ورقية ، لكني متأكد من أنني لو كنت فعلتها في صغري لتغيرت تفاصيل كثيرة في حياتي بعدها ، تفاصيل أعمق من مجرد كونها تتعلق برغبة طفولية...
تذكر كل هذا ، و نام...
لا تحاول أن تفتح عينيك بعدما استدعيت كل هذه الزيوت الطيارة من لاشعورك كي ترسم بها لوحتك...
لا تلوثها بالواقع ، لا تدنسها سريعاً...