الأربعاء، ٢١ ديسمبر ٢٠١١

الساعة العاشرة...


كانت فكرة جنونية...
لكني لم أشعر بأنني مخبولة أو أجازف بسمعتي ككاتبة روايات ، و كل مؤلفي قصص الرعب أحيانا يحتاجون إلي وضع أنفسهم في جو خاص يداعب خيالهم و يثيره...
حين انهينا حديثنا في بهو القصر الواسع اتخذت طريقي نحو الدرج حيث غرفتي التي سأقيم بها في الأعلي ، فقط قبل أن تدق تلك الساعة الضخمة المعلقة في احد اركان البهو ، الغريب أنني لم الاحظها تماما منذ جئت...
-غريب أنني لم الحظ تلك الساعة رغم وجودي هنا منذ أكثر من ساعتين.
-هذا لأنها لا تدق في كل الأوقات يا سيدتي ، لقد اختارت تلك الساعة العاشرة مساء فقط لتدق فيها.
-هل حدث شئ هام في ذلك الوقت كي...
قاطعني قائلا...
-لا يا سيدتي ، أعلم كم أن هذا محبط بالنسبة لحاستك الدرامية لكن الحقيقة أنها ليست سوي ساعة أخري تالفة.
اقتربت اكثر من الساعة حتي صرت اسفلها مباشرة و قلت...
-بالعكس ، لقد ازداد إعجابي أكثر بتلك الساعة ، أنت لا تعلم كم من الأشياء في هذا العالم تتخذ من الأحداث البارزة سببا لتصرفاتها الغريبة ، هذه أشياء لا تبتغي إلا الشهرة و لفت الأنظار لها ، أما هذه الساعة فقد اختارت ألا ترتبط بأي أحداث معينة ، لقد اكتسبت شهرتها فقط من كونها هي ، هذه لو أردت رأيي أكثر الساعات تميزا في العالم.
-انت تقيمين وزنا لتلك الساعة أكثر مما تستحق.
التفت نحوه قائلة...
-رجل مثلك لا أظنه يحتفظ بساعة تالفة إلا لسبب وجيه.
-الذكريات يا سيدتي ، إرث العائلة مهما أنهكه الزمن يظل دائما أغلي الذكريات.
-اممم ، انا أتفهم مشاعرك جيدا تجاه كل حجر في هذا المكان.
ابتسم ابتسامة خفيفة مشيرا لي بالعودة لما كنا نفعله...
******************************************
حين انتصف الليل كنت جالسة في غرفتي أحاول البحث عن فكرة جديدة ، بالطبع لم يكن هذا سهلا علي الإطلاق خاصة بعدما خاب أملي في هذا القصر اللعين...
ستلايت و انترنت و خط هاتفي ، هذا أبعد ما يكون عن القصور القديمة ، لقد حوله ذلك الشاب لقصر عصري رغم محافظته علي الكثير من مظاهر القدم فيه...
هكذا حين استسلمت لليأس قررت النوم علي أمل أن يكون ضوء النهار أكثر إلهاما...
استلقيت علي هذا السرير الفاخر الذي يبتلعك ابتلاعا مصطحبة في يدي مشغل الموسيقي الخاص بي ، تدثرت بالغطاء و اخترت مقطوعة من موسيقي القرب الإسكتلندية لتلائم تلك الرسوم القوطية المهيبة في سقف الغرفة...
كيف كان ينام هؤلاء القوم داخل كتاب التاريخ هذا ؟

******************************************
أنا الآن في حلم ، حلم بالغ الوضوح...
صحيح أن الموسيقي مازالت في الخلفية ، صحيح أنني مازلت لا أري شيئا سوي الظلام ، لكنه برغم كل شئ بالغ الوضوح في ظلمته...
الآن ينقشع الظلام فأفهم أنني كنت مغمضة العينين ثم فتحتهما ، نعم ، ما المشكلة في أن تنعم بقيلولة داخل أحلامك ؟
صوت الموسيقي يتحور بطريقة غبية ليصبح أشبه بسرينة إنذار ، الآن أدرك أنني داخل إحدي العربات في مترو حلوان ، في طريقي المعتاد من الجامعة إلي المنزل ، أستند برأسي علي إطار النافذة و الشمس تداعب وجهي بحرارتها...
نظرت للمقعد أمامي فوجدته جالسا ينظر لي في هدوء كالعادة قائلا...
-كنتي تحلمين.
أبتسم قائلة في نعاس...
-هل خطر ببالك يوما أن صوت إنذار المترو يشبه موسيقي القرب الإستكتلندية ؟
رفع حاجبيه في دهشة و قال ساخرا...
-لا أظن ناظر المحطة ذاته يعرف شيئا عن تلك الموسيقي.
-لقد صنع عقلي من ذلك الإنذار أثناء النوم أروع معزوفة قرب سمعتها في حياتي ، لا أعلم كيف حدث هذا لكنه حدث.
ابتسم قائلا...
-هذا لأن بداخلك أشياء رائعة تحاول الخروج ولا تسمحين لها.
الآن يدخل المترو نفقا و الظلام يعم المكان ، لا أذكر حقا أن هذا النفق كان يتسبب في إظلام المكان لسبب بسيط هو أنه هناك كشافات في سقف العربة لكنها الآن لسبب ما معطلة ، بل هي غير موجودة من الأساس...

******************************************
في الصباح التالي بحثت عن الشاب في جميع أرجاء القصر ، و كدت أضل الطريق لولا أن استطعت بطريقة ما إيجاده في المطبخ ، و ما أن رآني حتي ابتسم رغم انهماكه في إعداد شئ ما...
-صباح الخير ، أتعشم أن يكون نومك كان هادئا.
-ليس لديك أدني فكرة.
-رائع ، سيكون الفطور جاهزا بعد دقائق.
هززت رأسي في صمت متأملة إياه لثوان و قلت...
-قلت لي أن تلك الساعة إرث عائلي أليس كذلك ؟
-نعم سيدتي.
قالها دون حتي أن ينظر لي...
-إذن لماذا تعمل مع الغرباء أيضا ؟
ابتسم بنفس الإنهماك و قال...
-لا أفهم قصدك يا سيدتي هل يفترض بالساعات أن تكون بهذا الوفاء الأسري حقا ؟
-علي الأقل هذه الساعة.
-لا أعلم حقا بشأن الساعات في مصر لكننا....
-ما الموسيقي التي تسمعها قبل أن تنام ؟
هنا نظر لي قائلا بابتسامة خفيفة مترددة...
-عطور و ليست موسيقي.
رفعت حاجباي مندهشة و قلت...
-رائع ، ساعة تعكس المسار الزمني للأحلام ، هذا يعني أنني لو شربت حليبا قبل النوم فمن المحتمل أن أري أمي ترضعني في الحلم.
-مثير للإهتمام أليس كذلك ؟ لكنك محظوظة أن أرتباطاتك كانت صوتية يمكن تكرارها ، اما عائلتي فقد كانت مولعة بالعطور ، و العطور تنفذ مني يوما بعد يوم.
-ما المشكلة ؟ إبحث عن ارتباطات أخري غير العطور.
-ليت الأمر بهذه البساطة ، المشكلة أن عائلتي كانت منظمة للغاية في مواعيد النوم ، و كل الارتباطات كانت تؤدي بي إلي أحلام ليلية استيقظ منها و الجميع نيام ، و أنا لم أجرؤ يوما في طفولتي علي اقتحام غرفة ابي و امي ، تصوري أن تصبح الأحلام كلها شئ واحد ، أنام لأحلم أنني لابد أن أنام.
-ما السر في العطور إذن ؟
ابتسم و قد بدا أن الحديث راق له ، لابد أنها المرة الأولي التي يشاركه فيها أحد الغرباء سرا كهذا...
-ذات مرة في صباي فقدت الوعي داخل حديقة القصر ، كانت تلك تقريبا هي المرة الوحيدة التي راودني فيها حلم أستيقظ منه نهارا و الكل حولي يرش العطور محاولا إيقاظي.
-إذن هذا هو المنفذ الوحيد لعائلتك الآن ، العطور.
-بل لقد صرت أشعر أن عائلتي هي تلك العطور ذاتها ، كأن أرواحهم محبوسة داخل زجاجات فاخرة في غرفتي ، منذ عام و نصف تقريبا نفذت زجاجة أمي و لكني مازلت محتفظا بالزجاجة.
-هذا متوقع ، لابد أنها أكثر عطر رششت منه يوما ، لكني برغم هذا لم أجد حتي الآن سببا مقنعا لتدق الساعة فقط عند العاشرة.
ابتسم قائلا...
-ولا أنا ، من يدري..ربما أرادت الساعة فقط ألا ترتبط بأي حدث معين ، ربما أرادت أن تستقل بذاتها عن التوقيت الزمني بأكمله.
هززت رأسي محاولة البحث عما أضيفه فلم أجد ، تلك إذن هي اللحظة التي يجب علينا الإتفاق فيها...
-تأكد أن سرك هذا سيظل طي الكتمان.
-أتعشم هذا سيدتي.
هكذا ما أن ادرت ظهري له حتي قال...
-سيكون الفطور جاهزا علي الفور.
التفتت له قائلة...
-لا شكرا لا تنتظرني ، يمكنك الإفطار وحدك كالمعتاد ، سأصعد لغرفتي قليلا.
-ستكتبين ؟
ابتسمت قائلة...
-بل سأنام.

2 التعليقات:

Share |