الثلاثاء، ١١ أكتوبر ٢٠١١

زوار الليل...



الوقت متأخر ، لا توجد أمطار هذا المساء لكن الجو مشبع بالضباب ، و احجار الإسكافي التي ترصف الشارع مبللة دائما و أبدا بمياه تعكس اضواء الطريق...
كان يقف مستندا علي إحدي السيارات المتوقفة بطول الرصيف ، متأملا لافتة المطعم المضيئة...
venus coquille restaurant
كفيه متعرقتان ، و جسده لا يتحمل الملابس التي يرتديها ، برغم جو باريس البارد ، كان يظن أنه سيتخلص من تلك المشكلة حين يأتي لباريس ، لكنه نسي أن المشكلة بداخله هو و ليست في الطقس...
توتره الدائم يرفع من حرارة جسده ، و هذا في الأوقات العادية ، فماذا لو حاول أن يبدو واثقا من نفسه ؟ سيفضحه توتره حتما ، لابد أن ينسي الأمر و يغادر...
هكذا ما أن قرر الرحيل وجدها تخرج من المطعم و تغلق البوابة خلفها ، و ما أن استدارت لتجده أمامها ابتسمت قائلة...
-
كان هذا سريعا.
-
ظننت أنه كان بيننا اتفاق.
صمتت لثوان و قالت...
-
نعم نعم هذا صحيح ، تعال معي.
أعادت فتح البوابة ثم أغلقتها مرة أخري بعد دخولهم...
كانت المقاعد كلها مقلوبة فوق الموائد في مشهد بدا له محبطا و غريبا ، هذا المكان الذي يمتلئ صباحا بالحركة و المرح ، يبدو الآن موحشا...
برغم ذلك فإن هناك نشوة غريبة في تواجده بهذا الوقت بالمطعم ، نشوة ناتجة عن حاصل طرح المكان و هو فارغ من المكان و هو ممتلئ ، ربما لأنه بشكل ما يشعر أن كل هذا ملكه وحده ، ليس ملكه فعليا و لكن بشكل نفسي معنوي...
لم يكن المطبخ داخليا منفصلا عن الزبائن كعادة مطاعم باريس الفاخرة ، بل كان مطبخا مطلا علي الزبائن مباشرة ، و هذا ما يجعل بالمكان نوع من الثقة و الحميمية...
وضعت حقيبتها فوق إحدي الموائد ثم ربطت حول خصرها تلك القطعة البيضاء التي يتسائل حتي الآن عن جدوي ارتدائها ، فهي ليست واقية إلي حد كبير من اتساخ الملابس...
كان يبدو عليها التوتر أكثر منه ، كانت تبحث وسط الأواني و الأوعية بارتباك مصدرة ضوضاء مزعجة ، لكنها فطنت لهذا سريعا و توقفت عما تفعله قائلة دون أن تنظر إليه...
-
إسمع ، أنا لا أخلف وعودي قط ، لقد كان بيننا اتفاق و قد احترمته ، لكني قابلت الكثيرين ممن يعقدون معي اتفاقا كهذا بالصباح ، و حين يأتي الليل يبدو كل هذا أقرب ما يكون للهراء ذاته.
-
أنت محظوظة ، فالليل يبدو لي واعدا أكثر من أي وقت آخر ، بينما النهار هو هادم الأماني و الوعود بالنسبة لي.
التفتت نحوه قائلة...
-
لابد أنك رجل مشغول إذن.
-
ليس بالضبط ، لكن النهار له إيقاع سريع صاخب يصيبني بالتوتر و عدم التركيز في أي شئ ، و هذا يجعل من الليلة السابقة شئ سخيف جدير بالقصص الخيالية.
هدأت قليلا و فتحت أحد الأدراج أمامها و ناولته ورقة تشبه قائمة الطعام المعتادة ، لكنها ليست قائمة الطعام المعتادة...
كان تصميمها رائع حقا مكتوب في أعلاها بخط غريب يصعب قرائته و لكن يجذب انتباهك و يثير إعجابك...
Menu du nocturnes visiteurs
-
الأمور التي تنفذ لصميم روحك غالبا لا يدوم تأثيرها طويلا ، لابد و أن تسكب الحياة فوق رأسك دلوا من الواقعية المفرطة لتستيقظ من أحلامك الشفافة النقية.
لم أرد عليها و اكتفيت بتأمل القائمة بحثا عن مفاجأة ما ، لكن الأصناف كانت تقليدية ليس بها شئ ألمعي أو سري ، و كل الإختلاف كان في وجود خانات زائدة أمام كل صنف ، خانات كتب بداخلها أسماء مقطوعات موسيقية ، كأن كل مقطوعة صنعت خصيصا لأجل طبق ما...
استندت بذقنها علي مرفقيها ناظرة نحوي في شغف و استمتاع ، قلت دون أن أنظر لها...
-
أراهن أنك تستمتعين بتلك اللحظات.
-
هذا لأن اختيارك سيخبرني الكثير عنك.
هكذا بعد عدة ثوان أعدت لها القائمة قائلا...
-
أبهريني بذوقك.
ابتسمت قائلة...
-
هل تعلم أنهم يقولون انني أضع تعاويذ سحرية في الطعام ؟
-
أنا أصدقهم ، أعني ما الذي يمكنني انتظاره من امرأة تستقبل زوار الليل بهذه الطقوس ؟ يمكنني توقع أي شئ ، يمكنني توقع ما هو أسوأ.
قالت بينما تصب بعضا من زيت الزيتون في المقلاة...
-
مثل ماذا ؟ هل أبدو لك ممن تأكلن الرجال بعد طهيهم ؟
-
لا أعلم ، كلما ازدادت الواحدة منكن جمالا كلما ازداد خطرها.
لم ترد ، فقط ابتسمت في صمت مواصلة الطهي...
-
ماذا ؟
-
لا شئ.
-
لا حقا ، لماذا تبتسمين ؟
-
لأنني الآن تيقنت من أنك لا تعلم عن النساء شيئا ، و من يتعامل مع النساء كظواهر كونية ثابتة فهو ليس سوي أحمق آخر.
مططت شفتي في إحراج و قلت محاولا تغيير الموضوع...
-
كم عدد من أحترموا اتفاق الزيارات الليلية ؟
-
ليسوا كثيرين ، إنهم قلة استطاعت تقدير الجمال الحقيقي ، منهم من جاء لأجل الموسيقي ، منهم من جاء لأجل صنف أعجبه ، منهم من جاء لأجلي أنا ، لكل تفضيلاته كما تعلم.
-
و أنا ؟
-
نظرا لطبيعة أسألتك تبدو لي كمن جاء لإشباع فضوله فحسب.
ضحك بصوت عال أفزعها قليلا ، لوهلة نسي أنه في بلد كهذه عليك ارتداء القناع الأوروبي الراقي في أغلب الأوقات...
-
لا لا ليس الأمر كذلك ، لقد جئت لأجل الجمال أيضا ، و لكن بشكل كلي ، إن المكان بأكمله يشع بجو نفسي مريح و رائع ، و مبهر في ذات الوقت ، كأنه ما كنت أبحث عنه طوال حياتي لأجده ، و الآن يمكنني الموت و بالي مرتاح.
بعد دقائق كانت تضع لمستها الفنية الأخيرة ، تلك اللمسة التي تجعلك لا تستسيغ التهام هذا الطبق و إفساد تلك التحفة الفنية قبل التقاط صورة بجوارها...
وضعت إسطوانة الموسيقي ، خلعت القطعة البيضاء التي لم ولا تتسخ أبدا ، أخذت حقيبتها و همت بالرحيل قائلة...
-
إستمتع بطعامك ، لا تنس إطفاء الأنوار و غلق البوابة خلفك.
-
ألا تخشين أن أسرق شيئا ؟
ابتسمت قائلة...
-
غالبا لا يفعل زوار الليل ذلك.
-
و ماذا لو فعلوا ؟
فتحت البوابة قائلة...
-
فقط عدني ألا تسرق اسطوانات الموسيقي.

9 التعليقات:

Tamer Nabil Moussa يقول...

قصة رائعة

تسلم ايدك


مع خالص تحياتى

Emtiaz Zourob يقول...

جميلة .. استمتعت بالقراءة .

Sahar Elgafary يقول...

بسم الله والصلاة علي رسول الله
يا أخي..يعني أنا فاهمه ومش فاهمه..أقولك
بعض ألفاظك توحي بالصراحه القطعيه علي وجود كائنات فضائيه تقلقك والرمزهنا مفهوم وغير مفهوم...يعني زوار اللليل ألف خط ومعني لهذا المسمي ..
القطعه البيضاءيعني .المنيو...الكراسي المقلوبه... مش عارفه حال مين اللي متشألب علي العموم أنا رأيي أن أتحفظ أفضل وأنتظر البوست القادم يمكن أعرف أعلق.
ونصيحه مني إلجأ للحديث النبوي الشريف (........)لحل المشكله.أرجو أن لا تكون عرفت الحديث..وصدق الرسول الكريم(ص).

مذكرات موززه عانس يقول...

مش فاهمه حاجه ؟؟
اشرحلى فى بوست تانى يعنى ايه

Ali Soliman يقول...

جميل اوى المشهد
واعجبنى جداً "زوار الليل" اظنه لقب مناسب جداً وصريح وحسيت فى روحه بنفس الخيال من المشاهد اللى بتخيلها دائماً

غير معرف يقول...

ثقافة الهزيمة .. مغامرات البقرة الضاحكة

ما قصة لوسي أرتين؟
ـ لوسي أرتين كانت علي علاقة بالرئيس مبارك والعلاقة بدأت عن طريق زكريا عزمي وجمال عبدالعزيز، و كان فيه رجل أعمال مشهور بيحب يعرف مبارك علي فتيات من دول شرق أوروبا وحسين سالم كان متولي دول غرب أوروبا.

هل قصر الرئاسة كان يدار بهذه الطريقة؟
- القصر كان يدار بالسفالة والأسافين والنقار والقمار والنسوان وقلة الأدب ودا كل اللي كان شغلهم ومصلحة البلد بعدين.

هي سوزان كانت بتحس بالغلط اللي كان بيعمله الرئيس؟
- هي كانت مقهورة من اللي بتشوفه والنسوان داخلة طالعة قدامها واللي جايين من أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية ومش قادرة تتكلم وبتبكي علي طول بسبب اللي بتشوفه وأحيانا كنت بأصبرها وأقولها مصر مافيهاش غير سيدة أولي واحدة، بس بعدها قرر الرئيس أن ينقل جلساته الخاصة في شرم الشيخ وبرج العرب.

ھل تزوج علیھا؟
-لا ھو مش محتاج یتجوز .. البركة في زكریا عزمي وجمال عبدالعزیز...

…باقى المقال ضمن مجموعة مقالات الهزيمة ( بقلم غريب المنسى ) بالرابط التالى

www.ouregypt.us

جايدا العزيزي يقول...

قصه رائعه

دائما لحروفك نكهه خاصه

سعيده لاننى كنت هنا

دائما متميز اخى

تحياتى

OldCatLady يقول...

صوت الكمانجه فى ودانى...و قراية تحليل نفسى رايق من بتوعك..يضيف سببا آخر لسهرى المفرط (بحب أسهر بالليل عشان أقرا و اتعلم أصلى)

العلام الصبح مرتيط عندى إرتباط شرطى بالمدارس اللى بأكرهها

سلامات كتيــر

غير معرف يقول...

عشت القصة انا كنت جالس عالطاولة وبكلم فيها هههههههه

Share |