من 6 – 12 سنة...
الغرفة مظلمة و لكني لا أكترث ، في
ظروف أخري كنت لأظل متيقظاً حتي يغلبني النعاس ، كنت لأظل أقاوم جفوني التي يزداد
وزنها أطناناً بمرور الوقت...
لكن الآن و طالما أن أمي بجانبي فلا يوجد
أدني سبب للخوف ، بل ولا سبب لأن أظل محدقاً بعيني في الظلام خوفاً من تلك الأشياء
التي تجول بخاطري دائماً...
فقط لا يبدأ الخوف إلا حينما ينقطع
صوت التسبيح فجأة ، صوت التسبيح الذي يطمئنني دائماً أنها بجواري ، ستكون كارثة
مدوية لو اتضح انها قامت و تركتني في الظلام وحيداً ، حتي و إن غفوت قليلاً فإنني
أستيقظ فور انقطاع ايقاع تسبيحها المنتظم ، الهادئ ، الهامس...
سبحان الله و الحمد لله ، ولا إله
إلا الله...
**********************************
من 12 – 20 سنة...
تدريجيا قل إيماني بتلك الخيالات
الطفولية ، إلا أنني مازلت أخشي الظلام ، و ما زلت بحاجة لوجود أمي بجانبي...
لكن ما حدث أنني صرت أجد صعوبة في
النوم مع صوت تسبيحها ، فجأة صار تسبيحها الهامس يؤرق نومي ، خاصة حين تضغط
بأسنانها علي حرف السين في (سبحان الله) ، كنت أشعر به و كأنه سكين يمزق أعصابي ،
ربما لو نطقت به دونما همس لكان أثره أخف...
أحيانا كنت أطلب منها الانتقال
للغرفة المجاورة ، أحيانا كانت توافق في هدوء ، و أحيانا تخبرني في انزعاج مازح أن
هذا المنزل بإسمها ، و أن لها الحق في طردي منه و الجلوس بأي مكان تريده ، هي لا
تذكر ذلك لكني أذكر تلك الفترة التي بدأت تسمع فيها عن الأبناء الذين يضربون
أمهاتهم و أبائهم و يطردونهم من بيوتهم ، أذكر جيدا نظرة الخوف في عينيها ،
الخوف من الغد ، الخوف من أن يفعل بها هكذا رغم يقينها من استحالة حدوث ذلك ، لذا
فهي و إن كانت تمزح بشأن ملكيتها للمنزل إلا أنني أستشف دائما لمحة من الجدية في
ما تقول ، يصعب تصور هذا لكنه حقيقة...
و علي كل حال فإنه في جميع الحالات
تبقي النتيجة واحدة ، فحتي لو ذهبت هي للغرفة المجاورة يبقي تركيزي بالكامل مع
تسبيحها الهامس من بعيد ، و كأن أذناي تبحثان عنه بحثا دونما إرادة مني...
سبحان الله و الحمد لله ، ولا إله
إلا الله...
**********************************
من 20 – حتي الآن...
لم تعد تجلس بغرفتي ، ولا الغرفة
المجاورة ، و برغم ذلك يظل صوت تسبيحها يرافقني عند ذلك الخط الفاصل بين النوم و
اليقظة ، بل و أكاد أجزم أنني أسمعه واضحاً في سكون الليل يأتي من جميع غرف المنزل
، منتظم ، هادئ ، و هامس...
إما أن المنزل مازال يذكرها ، أو أن
أذني مازالت تتعطش شوقاً لحرف السين...
سبحان الله و الحمد لله ، ولا إله
إلا الله...