الثلاثاء، ١٤ يونيو ٢٠١١

فراغ...


كشف المرضي المستجدين...
سيكون يوما صعبا و حتما سأصاب بالصداع ، إن المرضي القدامي تعتاد عليهم و تكون جلساتهم غاية في السهولة كونك أدركت طبيعة أمراضهم ، و لو كنت أقل إنسانية لقلت أنني ادركت (طريقة تشغيلهم) ، لكن الحديث عن المرضي المستجدين يعني أنك ستأخذ أياما في محاولة تشخيص أمراضهم و انتزاع الذكريات من بعضهم ، ناهيك عن المرضي (هواة الكذب) و ( أنصاف المرضي) فهم أسوأ من غيرهم في أنك تطمئن لطبيعة أفكارهم ثم فجأة تصدمك إحدي معتقادتهم أو إحدي تصرفاتهم المريبة ، بينما يمتاز المرضي الكاملين بأنك ما أن تدرك طبيعة تصرفاتهم فسيصبح توقعهم سهلا ، إنهم يحافظون علي قواعد اللعبة ولا يغشون ، لعبة المريض و الطبيب...
إذن المريض الأول بالكشف يدعي:
سالي علي محمود...
************************
ربما لا يكون وصفي طبيا خالصا لكني لا أفعل ذلك إلا في كتابة التقارير لإدارة المصحة ، لذا سأكتفي باختصار حالتها في بضع كلمات بأسلوبي علي غرار (صامتة للغاية - لديها ولع بسجادة المكتب لدرجة جعلتها لم تكف عن التحديق بها منذ دخلت - منكوشة الشعر لكنه ناعم رغم ذلك ، أعني أنه ناعم لكنه منكوش)
-و الآن استرخي و خذي الأمر ببساطة ، اعتبريني وعاء لأفكارك أيا كان نوعها ، فلتسكبي تلك ال...
قاطعتني قائلة دون أن تنظر لي...
-لا ، ستسرقين أفكاري في وعائك و تهربين.
تبا لهذا ألا توجد أدني قدرة علي التجريد ؟!
هكذا فغرت فاهي لثوان و قلت...
-حسنا دعيني أعيد صياغة التشبيه ، فلنفترض إذن أنني....مصفاة ، مصفاة بها ثقوب كثيرة ، فلتسكبي أفكارك بها لأقوم بتصفيتها من الشوائب و أعيدها لك نقية.
هنا نظرت لي في صمت فاستطردت كلماتي قائلة...
-هكذا لن أتمكن من سرقتها.
-ستقع أفكاري علي الأرض و لن أتمكن من جمعها ثانية.
خلعت نظارتي في هدوء و قلت في نفاذ صبر...
-لن يقع شئ علي الأرض ، هلا بدأت بالتحدث مباشرة ؟
-ستقع أفكاري علي الأرض.
-إذن سنضع أسفل المصفاة دلوا لجمعها.
ظلت تنظر لي بذات الصمت ، ليتني ما اخترت هذا التشبيه اللعين...
-حسنا.
آخيرا...
-حسنا و الآن أخبريني ، هل سبق أن كنت تعانين من أية...
-أين الدلو ؟
قلت محاولة الاحتفاظ بهدوء اعصابي...
-لا توجد دلاء.
-إذن ستقع أفكاري علي الأرض.
ما يثير غيظي أنها تتحدث بصورة آلية للغاية ، هذه الفتاة لا تعرف سوي أن 1+1=2 ، وليحترق العالم بعدها...
هكذا قررت تأجيل جلستها لما بعد المريض القادم ، ربما في تلك الساعات تنسي ذلك التشبيه المنحوس...
ناديت الممرضة لتستدعي لي المريض القادم في الكشف و قلت...
-و خذي تلك الفتاة إلي حديقة المصحة ، سأستدعيها ثانية.
و الآن المريض الثاني :
احمد سامي...
************************
حسنا من الواضح أن السجادة حازت علي إعجاب الجميع اليوم ، لطالما رأيتها قبيحة المنظر و ألوانها (بلدي) لكن من الواضح أن المرضي لهم رأي آخر...
-و الآن استرخي و خذ الأمر ببساطة ، اعتبرني وعاء لأفكارك أيا كان نوعها ، فلتسكب تلك ال...
-هل يمكنني الذهاب للحمام ؟
فغرت فاهي لثوان و قلت...
-نعم ، بالطبع ، فقط لا تتأخر.
هكذا ما أن غادر المكتب حتي دفنت وجهي بين ذراعاي في إحباط...
ما هذا اليوم الأسود ؟
************************
حين عاد الفتي استطعت تبين ملامح وجهه أكثر...
كان كأنه شاب في العشرين تقريبا رغم أن بيانات ملفه تقول أنه أقل من ذلك بعامين...
-آسف علي التأخير.
-لا عليك.
ارتديت نظارتي قائلة...
-حسنا و الآن أخبرني بماذا تعاني ؟
هز كتفيه قائلا...
-لا أعاني من شئ.
دائما أنسي هذه النقطة ، لو كان كل المرضي يدركون أنهم مرضي ما كان هناك مرضي ، هكذا تعلمنا لكني أصر أحيانا علي التمسك بمبدئي في أن المريض معافي حتي يثبت مرضه...
-أنت في مستشفي الأمراض النفسية و العصبية ، لابد أنك تملك سببا وجيها للتواجد هنا أكثر من الرغبة في الذهاب للحمام.
أطرق برأسه ناظرا نحو السجادة اللعينة و قال...
-هذه هي مشكلتي.
-الذهاب للحمام ؟ لو كنت تظن أننا نعالج البواسير هنا فأنت....
-لا أقصد هذا ، أقصد أن معاناتي هي أنني لا أعاني من شئ.
هنا تغيرت نظرتي نحوه قليلا و قلت...
-تبدوا لي عاقلا بعض الشئ.
-مشكلتي ليست بعقلي ، مشكلتي أنني فارغ للغاية ، بداخلي خواء لا حدود له.
-فارغ من أي ناحية بالضبط ، تعني عاطفيا ؟
-لا أعلم حقا ، الناس تمل من صمتي سريعا ، لا أحد يحتفظ في يده بكوب زجاجي مالم يكن به شئ لو كنت تفهمين قصدي.
-نعم نعم ، الناس لا تعطي دون مقابل لابد لك أن تعطيهم لتأخذ.
هنا رفع عينه نحوي و قد بدأ يتحمس لإدراكي مشكلته...
-بالضبط ، لكني لا أملك ما أعطيه.
-اممم ، و ما الذي جعلك هكذا ؟
ابتسم قائلا في استخفاف...
-هذا سؤال كلاسيكي للغاية.
فهمت ما يقصده علي الفور ، لا أحد يدرك تفاصيل حياته التي آلت به لتلك الظروف ، نحن فقط نذكر لحظات التحول الجذري...
-علي الأقل صف لي شئ من نمط حياتك بالماضي.
-لن يثير الأمر اهتمامك حقا.
-جربني.
هنا استرخي علي الشيزلونج و قال محدقا للسقف...
-في الإعدادية كنت مصابا بوسواس مضحك ، لم أكن أعلم ذلك بالطبع حينها لكنني قرأت عن الوسواس القهري بعدها بسنوات و فهمت ما يعنيه ، كنت فاشلا في الرياضة بوجه عام منذ صغري ، و كنت أحب الأرقام الزوجية أكثر من الفردية لأنها لا تخلف كسورا في حسابها ، و أنا أكره الكسور ، كانت نتيجة هذا أنني صرت أفعل أشياء بعينها مرتين لأن مرة واحدة تعني رقم فردي ، مثلا أغسل يداي مرتين ، أفتح باب البيت و أغلقه مرتين ، تفاقم الأمر معي بعد ذلك و صارت المرتان أربع و الأربع صارت ست و الست صارت ثمان حتي تخلصت من تلك العقدة بمرور الوقت تلقائيا.
هنا توقف عن الحديث فجأة و نظر نحوي قائلا...
-هذا لا يفيد أليس كذلك.
ابتسمت و هززت رأسي نافية...
-لا ، إنه لا يفيد ، لكني سأعالجك رغم هذا.
-كيف ؟
قلت بينما أجمع ملفه مع ملف مريض آخر...
-هذا سؤال مبكر للغاية ، لكن ثق أن هناك من هو بحاجة لفراغك هذا.

5 التعليقات:

Ramy يقول...

(:

و جالك فلب تكتب و فى أمتحانات


و لا لأ صحيح أنت الأفكار مبتجيش غير فى الأمتحانات

انت هتجيب قصة احمد سامى من البداية و لا أيه


على فكرة أكيد فى حد هيحتاج هذا الفراغ

دة صحيح

فراشة يقول...

مستمتعه وانا بقرأ :)


"ثق أن هناك من هو بحاجة لفراغك هذا."

بجد أثرت فيا قوي

ممكن آجي أحضر جلسه من دول :)

علامات يقول...

انا مستمتعة جدااااااا بهذا الفراغ

انت شغلك ممتع جدا على فكرة :)

Tamer Nabil Moussa يقول...

اكيد الفراغ دة مرض قاتل بجد ويحتاج الى العلاج

مع خالص تحياتى

غير معرف يقول...

leeha takmela?! bgd fkrtny b e7sasy wna b2ra mostamte3 l 5ald tawfee2 w nbel faroo2 .. gamda!

Share |