لا أعلم ما هي فكرة الناس عن الانبساطية ولا أريد أن أعلم...
ببساطة صار الأمر يدعوا للتقزز...
فالشخصية الانبساطية كما يعرفها العلم هي الشخصية المرحة الكثيرة التعامل
مع الناس و التي تجيد أساليب الاتصال الاجتماعي ، بالتالي تعريف الشخصية
الانبساطية يحوي مفاهيم يختلف تأويلها من مجتمع لآخر و من ثقافة لأخري...
و حاليا فإن مفهوم الشخصية الانبساطية في ثقافتنا كمصريين (الشخصية
المتقنة لفنون النصب و التحوير و التحايل و المجاملة و التقرب من أجل
المصلحة الشخصية ، يندرج كل هذا تحت قائمة فنون النفاق)...
فالحقيقة أن النفاق ما هو الا نوع آخر من النصب علي المشاعر ، يمكن
تسميته بالنفاق الاجتماعي شاملا المجاملات اللزجة الزائفة...
إن المشكلة تكمن في الارتباط الشرطي المتكون لدي بين المجاملات و بين
النفاق...الأمر ليس بيدي ، فقد صرت لا أطيق مجاملة من أحد إلا و شعرت
بعدم صدقها ، فهي مشكلة نفسية قبل أي شئ...
أيضا من أين يحق للأخرين تصنيفي كشخصية منطوية بدون إعادة النظر في
الحقائق المعروفة...الحقائق التي انطبعت في أذهاننا عن أن المصري مهما
بدر منه فهو (ابن بلدي و أحسن من بلاد تانية كتير)...
هل ابن بلدي يستغلني ؟
هل ابن بلدي يعرفني لأجل مصلحته الشخصية فقط ؟
هل ابن بلدي يجازف بدينه من أجل المال؟
هل ابن بلدي مقتول ضميره ؟ و منذ متي و ما السبب ؟
----------------
توجد نظرية في علم نفس التعلم تؤكد علي أن الدوافع و الممارسة و النضج
هما الشروط الأساسية لحدوث التعلم...
و تأخذ الممارسة صورا من أبرزها التكرار و التعزيز...حيث أن التكرار ليس
شرطا كافيا لتعلم مهارة ما دون وجود معززات لتحسن الأداء و أكتماله...
---------------
لم يضع العلم في حساباته أن تكون المهارة المتعلمة هي ظاهرة اجتماعية
سلبية تنطوي بداخلها كوارث ، و أكبر كوارثها هي تأقلم المؤثر و المتأثر
بالظاهرة معها...
فالإنسان دائم التعلم لا يختلف عن الطفل سوي في ماهية البيانات الواردة
إليه...فحينما يري الموظف المستجد هذا و هذا يرتشي و هذا ينهي أموره
سريعا عن طريق شبكة علاقاته المتكونة من المجاملات و ما شابه ، يقوم لا
إراديا بتطبيق عملية التقليد التي يطبقها الطفل الصغير تجاه أفعال الكبار
و المحيطون به ، خاصة و أن الموظف المسكين محاط بالتعزيزات التي تجعله
يكرر فعلته مرة بعد مرة...و لن يكون الأمر صعبا ، فالنفس أمارة بالسوء
بطبيعتها و تمثل أكبر مصدر للتعزيزات ناهيك عن البيئة المحيطة به و التي
قد تجبره علي فعل مالا قد يخطر بباله يوما...
و المصيبة التي واقع بها هي أنني لم أتقألم بعد ، بعد كل هذه السنين من
التنشئة داخل مجتمع قائم علي كل ما سبق ذكره مازلت لم أتأقلم ولا أدري
السبب...حاولت كثيرا أن أصبح واحدا من الشخصيات الافتراضية المحيطة و أن
أكتسب نفس الصفات حتي لا أشعر بالشذوذ مهما كان الثمن ، لا فائدة...
فكرت أن السبب يكمن في ايماني الدائم بأن المجتمع يسير عكس المنطق و
المفروض...و هذا الشئ الوحيد الذي لم أستطع تغييره ، أن تمارس الخطأ و
أنت تعرف أنه خطأ...هذا أصعب ما يكون بالرغم من أننا نفعل ذلك في مواقف
كثيرة و لكن ليس بهذا التركيز و الإفراط الذي تمارسه الشخصية
الافتراضية...
فالرأي الذي أراه أنه بالرغم من كل شئ فإن الشخصية الإفتراضية في أصلها
ليست انبساطية...إنها تفعل كل ما يتاح لها من أجل مصلحتها الخاصة و من
أجل إشباع حاجاتها و رغباتها ، فكيف لها أن تكون شخصية انبساطية متفاعلة
مع المجتمع بينما يكمن هدفها الأساسي في امتصاص الفرص لمصلحتها
الفردية...
لذا أقولها و بإيمان تام...
لست شخصية انطوائية أو منعزلة أو متكبرة...أنا شخصية بحثت عن العناصر
الصالحة لتجدها بنسب متفاوتة في قلائل ، هكذا يمثل هؤلاء القلائل أقرب
الناس لي...
هم الفئة التي استطاعت تفهم الكلمات الصريحة الناقدة...
الفئة التي تنظر لك نظرة جدية ولا تهوي استغلالك ولا تعاملك الا لذاتك...
في النهاية لست الا بشرا يخطئ كالجميع و ليس الكلام معمما و لكنه يعبر عن
وجهة نظر تمثلها خبرتي في التعامل مع بعضهم...فإذا كنت متسامحا الي هذا
الحد مع (ابن بلدك) مهما فعل فهذه مشكلتك...
لكنني لست متسامحا إلي هذا الحد...