الجمعة، ٢ أغسطس ٢٠١٣

تسامي...



أحيانا أتسائل ، كيف لم تُجري حتي الآن دراسة إحصائية واحدة بشأن دوافع المتطوعين للأعمال الخيرية ؟ أو ربما أُجريت ، لا أعلم حقا...
أعني..في الأديرة ، علي سبيل المثال ، يرفضون استقبال راغبي الرهبنة إذا اكتشفوا أن رغبته ورائها حياة فاشلة يسعي للهروب منها ، صدمة عاطفية ، أي شئ قد يدفعه للارتقاء بدوافعه من خلال خدمة الرب ، مثل تلك الدوافع لا يدوم تأثيرها طويلاً لو كنت تفهم ما أعنيه ، حين تسعي للرهبنة فعليك فعل ذلك عن اقتناع و ليس هرباً من ماضٍ مؤلم...
تخيل الآن أن لدينا فرض بحثي يتلخص في أن نسبة لا يُستهان بها من المتطوعين بالأعمال الخيرية هم في الواقع هاربين من ماضٍ مماثل ، في الواقع ، الجمعيات الخيرية لا تهتم ، فلتهرب كما تريد مادمت تنوي الهرب إلينا...
من زاوية سيكولوجية لا يسمي ذلك هروبا بقدر ما يتم اعتباره نوع من التطبيق اللاشعوري لميكانيزم التسامي و الإعلاء ، أحد الطرق  الدفاعية اللاشعورية و التي تهدف باختصار إلي حفظ توازن البناء النفسي و ضمان عدم انهياره تحت الضغوط ، هناك تصنيف خاص بالميكانزمات ذات الطابع الهروبي ، و هي-صدق أو لا تصدق-لا تعبر عن حالة مرضية إلا عندما تحيد بأدائها عن المعدل الطبيعي ، فمثلاً يعبر ميكانيزم التسامي و الإعلاء في صورته الطبيعية عن صحة نفسية عالية ، و لكن حين يصل الأمر لدرجة إنكار الذات مثلا فيما يخص العمل الخيري ، حينها يصبح الأمر جديراً بالعلاج ، لا أذكر حقاً إن كان التسامي مدرجاً ضمن تصنيف الحيل الهروبية لكني سأصاب بخيبة أمل إن لم يكن كذلك...
الأمر ذاته ينطبق علي هؤلاء الذين يستيقظون فجأة ليقرروا أن عليهم ممارسة الرياضة اليوم ، و حلق ذقونهم ، و التوقف عن التدخين ، و ممارسة اليوجا و تعلم العزف علي البيانو و تنظيف اسنانهم بانتظام فقط لأنهم يحاولون إنهاء آلامهم اليوم ، أو بصيغة أخري يحاولون-لاشعورياً-الارتقاء بدوافعهم السلبية إلي مستويات أكثر إيجابية ، بل و تعميم ذلك علي كل تفاصيل حياتهم بدءًا من أبسط الأشياء لأضخمها ، لكن ذلك لا يدوم علي كل حال...
ما المشكلة إذن مادام الأمر صحيًا في النهاية ؟
في الواقع لا توجد مشكلة ، بالنسبة للمجتمع ، لك أن تتخيل أن أغلب النتاجات الفكرية و الأدبية و الشعرية و الفنية ما هي إلا مظاهر لأفعال تم التسامي بها و إعلائها من دوافع و رغبات داخلية مكبوتة في النفس إلي أعمالٍ مقبولة و تجد الرضا من المجتمع ، لن تجد كالكُتّاب من هم أكثر قدرة علي توجيه طاقاتهم الاكتئابية نحو نشاطٍ منتج ، الحزن سلعة انفعالية مطلوبة رغم كل شئ ، و القراء لا يهتمون بمعاناتك الداخلية مادمت تمنحهم بعض العمق الجميل...
لذا يمكنك ملاحظة أن هذا المقال ليس هدفه البحث عن حل لظاهرة ما ، إنه فقط محاولة لفهم تلك الآلية التي تحكم جانب من جوانب السلوك البشري...
فقط ، لا أكثر ولا أقل...

7 التعليقات:

Unknown يقول...

صحيح
أنا كنت بحتار في دوافع البعض للكتابه و ليس الكُل..لكن إنت وضحت الجزء ده..لأن الكتابه أوقات بتكون نابعه من أفعال تم التسامي بها و رغبات داخليه مكبوته..مش كل الناس بترجم السمو بالمشاعر و الأحداث لكتابه.
هو الكلام صعب بس أنا إلى حد ما فهمته ;)

أنا - الريس يقول...

أبخ ايه دا يا عم، شوف رغم السنين لسه العبد لله غبي شوية ومش بيفهم كل اللي بتقوله :) صباحك قشطة وأحب أقولك كلمة واحدة ومش قصد التقليل من مجهودك بس أعمل ايه بقي أجبرتني "سمو - علو - ارتفاع"

candy يقول...

ساعات بتصعب علىّ نفسى لما بظبط نفسى فى المنطقة دى .. وبرفضها بشدة .. فبنتكس .. فبلف فى الدايرة المفرغة تانى .. لأنى بحب أعيش بانتصار.

بس ساعات تانى بحس أن الميكانزم دا نعمة ! .. أزاى ربنا حط السعادة فى المساعدة والمشاركة .. مع أن منطقيا فيها خسارة !

مش لازم الواحد يوصل للأنكسار علشان يبدأ يتعالج على قفا المساكين ويطلع فيهم عقده .. بس هى وسيلة وقاية من الانكسار .. معنى الوجود .. الحب .. بس لو في دافع "مسح الزنوب الـ... فى فطوة المساعدة" زى ماواحد قال لنوارة مرة فى العشوائيات بيبقى ليها اثر سلبى على اليد العليا واليد السفلى.

شمس النهار يقول...

كل سنة وانت طيب وبخير وسعادة

Unknown يقول...

عبرت عنى .... ^_^

Rebellious Raghda يقول...

جيت ع الوجيعه يا فندم .. ربنا يسامحك :(

Doaa يقول...

توصيف أكتر من رائع ... بس بيلمس جوايا جروح صعب انها تتعالج أصلها سر نجاحي ومن غيرها هتحول لانسانه عادية زي غيري !!!

Share |