الجمعة، ١٢ يوليو ٢٠١٣

وجود...



هناك تلك الفكرة النمطية اللعينة التي التصقت بأذهان البعض عن الإلحاد ، حيث لا أحد يطرح تساؤلات وجودية مالم يكن ملحداً ، لا أحد...
ماذا يسمون إذن ذلك الذي مازال يتلمس طريقه نحو الحقيقة ؟ الحقيقة الموضوعية لا التي تُري من خلال وجهات النظر ، ضائع ؟ تائه ربما ؟
لو أردت رأيي فالملحد هو من اختار مكانه في اللاشئ ، و أنا أفضل أن أكون تائهاً يتلمس طريقه نحو الضياء علي أن أكون ملحداً اختار السفر في دوامات التفكير و التفلسف دون وجهة محددة ، فقط لأنه منتشٍ بكونه حي ، بكونه حر...
أعني أنه ربما بدا الإلحاد رائعا لبعضهم ، لكن التيه أروع ، إنه أشبه بلحظات ما قبل المصارحة بالحب ، لحظات التلميح الوشيك ، حين يصبح ذهنك متأهبا علي الدوام لأبسط إشارة يرسلها لك الكون ، لتصبح بمرور الوقت قادرا علي قراءة لغة الزمان و المكان ، قادرا علي الذوبان في الوجود ذاته إلي أقصي حد ، متعطشاً علي الدوام لقبلة منه دون ارتواء...

الجمعة، ٥ يوليو ٢٠١٣

فتي البخور...



  • مروان ، ذو العيون اللامعة الصغيرة الضيقة...
    مروان كان يشتري بمصروفه عود بخور من العطار قبل كل صلاة جمعة ، و بعد الصلاة يشعله و يجري به في الشارع منتشيا و كأنه يحمل شعلة أوليمبية ، هذا يفسر لك سبب اشتهاره في الشارع بـ "فتي البخور"...
    مروان كان طفلا رائعا ، كان أجمل من أن يعيش في هذا العالم ، كان من فئة الأطفال التي يطلقون عليها مصطلح "ابن موت" ، فقط لأنه أجمل من اللازم ، أو علي الأقل هكذا كانت نساء الشارع تتهامس فيما بينهن بشأنه...
    لكن الهمس في الغالب من شأنه اجتذاب الانتباه اكثر من الاصوات الصريحة الواضحة ، و بطبيعة الحال لم يستغرق الأمر وقتا حتي بدأت الهواجس تطارد ام مروان ، فتي البخور ، خاصة بعد أول شجار له مع احد أبناء الجيران...
    صارت تمنعه من الخروج اغلب الاوقات ، صارت تجلب له كميات من البخور كي لا يضطر للخروج كثيرا ، صار الصغير يكتفي بالجري داخل المنزل أو الوقوف بها داخل الشرفة مراقبا اصدقاءه أثناء لعبهم بدونه...
    ظن مروان الأمر مؤقتا في البداية ، لكنه سرعان ما بدأ الإحساس بأبدية سجنه ، و بدأ محاولات التأقلم بعد أن فشلت جميع محاولاته الأخري في إقناع أمه...
    مروان كان أجمل من أن يعيش في هذا العالم ، لكنه عاش في النهاية مع الأسف ، عاش حياة حافلة بالتردد علي الأطباء النفسيين محاولا التخلص من خوفه الاجتماعي ، محاولاً التخلص من نفوره من رائحة البخور...

الاثنين، ١ يوليو ٢٠١٣

تداعٍ آخر...





لن تجد كالكتّاب من هم أكثر قدرة علي توجيه طاقاتهم الإكتئابية نحو نشاط منتج ، الحزن سلعة انفعالية مطلوبة رغم كل شئ ، و السعادة مثالية للغاية لكنها ليست علي نفس المستوي من العمق ، ناهيك عن كتب التنمية البشرية التي لا تروج إلا لسعادة خيالية...



الاكتئابيون يكتبون ، و الهوسيون علي الأغلب يقومون بتمثيل ما يكتبه الاكتئابيون ، إنها علاقة تكاملية لو كنت تفهم ما أعنيه ، إبحث عن الهوسي في أي فرقة مسرحية ولن يخيب ظنك أبدا...



الإنفعال مرهون بمقابله ، الاكتئاب مقابل الهوس ، الحزن مقابل السعادة ، و كلما ازداد انغماسك بالألم كلما ازداد تقديرك للراحة و العكس ، لذا-لو أردت رأيي-فالوجدان لا يتجزأ ، لن تجد حزنا مطلقا ولا سعادة مطلقة ، الجميع متفاعل في كل واحد ، و السعادة الخالصة بالتفاصيل الصغيرة لا تتجلي بوضوح إلا لمن كان الحزن ساكن قلبه ، و أيا كان تعريفك للسعادة فدعني أخبرك أنها ليست بروعة الإحساس بروعة التفاصيل الدقيقة ، لأن التفاصيل تتجمع ، تتراكب ، و يكمل بعضها بعضا ، الماء ، الهواء ، العشب ، الندي ، زرقة البحر و السماء ، و حمرة القمر و اقترابه ، ألوان البلالين ، عشوائية السحب ، حتي تلك الأمور المزعجة تجد قلبك يتلمس بداخلها بحثا عن شئ جميل ، و يجده ، أو علي الأصح ، يراه كما يجب أن يٌري...



لكن المشكلة انك لا تدرك كم الأمور الجزئية في هذا العالم و التي تجبرك إجبارا علي شغل بالك بها مقابل التأمل في الكل الكبير ، هل تذكر آخر مرة نظرت فيها نحو السماء بشغف حقيقي ؟ هل جربت الارتقاء بإحساسك ولو للحظات إلي ذلك الحد الذي يجعلك تشعر بروعة أخف نسمة هواء تمر بوجهك ؟ او اقل نقطة ماء تسري علي جسدك...



إن لروحك عليك حق فلا تقتلها...


Share |