مرة أخري لا تجدي
الحلول العميقة نفعا ، ليس علي هذه الأرض...
***
هناك تلك الفئة الجحيمية من المشاكل التي يصعب الهروب منها ، ببساطة
لأنك جزء من المشكلة ذاتها ، كونك ما أنت عليه ، تلك الفئة تجعلك علي الدوام في
حالة لجوء لحلول غير منطقية تزيد الأمر سوءا...
***
بيك قال شيئا عن الأخطاء المعرفية ، عن كون نظرتنا السلبية نحو
العالم هي السبب في مأساة كل منا ، أنا أؤيد ذلك ، أؤمن به لأنني صادفت مرارا
هؤلاء الذين يجيدون التعامل مع مشاكلهم بابتسامة ، هذا يعني أن هناك طرق أخري
للتعامل مع الواقع لكن الأمر يتعلق بنا فحسب ، يتعلق بتلك الزاوية التي نري الأمور
من خلالها ، لكني كذلك أؤمن بأن الأمر لم يكن يوما متعلقا بالتخلص من المأساة
ذاتها ، هناك بعض المآسي التي تحمل رسائل من أجلك ، خبرات شعورية عليك استدماجها
بداخلك كي تدرك حقيقة أن تلك المأساة لم تكن سوي الواقع ذاته ، لكنك فقط لم تكن
تعرف كيفية التعامل معه...
***
ذلك الهراء الذي لطالما سمعته عن التعلم من أخطائنا السابقة دون جدوي
، لم أفهمه قط إلا بعدما أدركت ما تعنيه فكرة الخبرات الشعورية ، ذلك لأن الحمقي
ممن لقنونا تلك الكلمات لم يدركوا يوما أنه من المستحيل أن تظل طيلة حياتك و عينك
في وسط رأسك كما يقال ، من المستحيل أن نتعلم من أخطائنا السابقة بإرادتنا من
الأساس ، إن الأوجاع إزميل ينحت أرواحنا حتي تكتسب ملامح واضحة ، شر لابد منه...
***
فرويد لم يكن سطحيا حين حدد دوافع السلوك البشري في تحقيق اللذة و تجنب
الألم ، هو فقط جرد الذات من كل تعقيداتها و أورد دوافعها في أبسط صيغة ممكنة ،
الصورة الخام قبل تحويلها لرغبة في إثارة الإعجاب و رغبة في تحقيق الذات و رغبة في
النجاح ، و رغبة في النسيان...
***
التلذذ بالألم-و استثني هنا الألم الجسدي-في حد ذاته صورة أخري من
صور الرغبة في تحقيق اللذة و تجنب الألم ، و حاول أن تنحي المازوخية بعيدا عن
حديثنا لأننا لا نتحدث عن رغبات مرضية هاهنا ، بصدق ، لا نفعل ، حتي و إن بدا لك
هذا أسلوبا غير سويا للحياة فأخبرني عن معايير مطلقة للسواء في عالم كهذا ، أخبرني
عن معايير مطلقة للواقع من الأساس ، هل أنت متأكد من كونك تعيش واقعا واقعيا ؟
دعك من أن المازوخية ذات أسباب أكثر سطحية مما نتحدث عنه هنا ،
استدماج الخبرات الشعورية ، نحن منذ الطفولة نستدمج مشاعر الحب التي نتلقاها من
أمهاتنا حتي تصبح تلك المشاعر جزء منها يحدد ما سوف تكون عليه طريقة تعاملنا مع
الآخرين ، و بالمثل فنحن نستمر طيلة حياتنا نستدمج الخبرات الشعورية من كل المواقف
التي نمر بها ، سعيدة كانت أو مؤلمة ، لو أردت رأيي لأخبرتك أنها الخبرات الأكثر
استحقاقا بالاهتمام ربما اكثر من الخبرات المهنية و العملية ، تلك الخبرات تقول من
أنت تحديدا...
***
برغم ذلك لا تدع الكلمة تخدعك حينما يخبرك أحدهم أنه أكثر منك خبرة و
عليك الاستماع إليه جيدا ، خاصة لو كان علي مشارف الثلاثين أو في الثلاثين بالفعل
، أغلب تلك الحالات لا تعني الخبرة فيها شيئا سوي أنه الأكثر معرفة منك بمدي قذارة
هذا العالم ، لذا لا تنتظر منه حكمة أعمق من التحدث عن كيفية التعامل مع هذا
المجتمع و بعض النصائح عن كيفية التعامل مع النساء ، لا تدعه-أبدا-يخفض صوته أثناء
الحديث معك لأن ذلك يعني سماحك له بفرض نصائحه عليك في أي وقت و مكان ، إنه الجحيم
بعينه...
***
لكن الحلول الفلسفية العميقة لا تجدي نفعا ، ليس علي هذه الأرض...