لطالما
تمنيت في صغري لو أن بإمكاني صنع طائرة ورقية ، لقد كان مشهد الطائرات الورقية في
عطلة الصيف يشعرني بالسلام الداخلي حقا ، لكن عظمة المشهد لم تسمح لي أبداً
باستيعاب فكرة أن أكون أحد المساهمين في تلك اللوحة الرائعة...
***
-بطل تبص
للسما كتير ، السما هتضعف نظرك ، السما هتاخد عنيك.
***
أمهاتنا
كانت تخشي علينا من هذا العالم ، تخشي علينا حتي من أجمل ما فيه ، بل إنني أحياناً
أشعر أنهم كانوا يخشون علينا من كل شئ احببناه و انجذبنا له ، أنا أتفهم ذلك...
إنني
أذكر تلك المرة الوحيدة التي حاولت فيها أمي تشجيعي علي تحليق طائرة ورقية ، كان
موقفاً مليئاً بعلامات الاستفهام ، أن تشجعك امك علي ما كانت تمنعك عنه فيما سبق ،
لكنها أدركت كم كانت متأخرة للغاية علي كل حال ، فإنني لم استطع وقتها تحليق
الطائرة ولو متراً واحداً في الهواء...
من
الغباء أن ألوم أبواي الآن علي أي شئ ، لكن المشكلة أنني لطالما تصورت أنني ساقضي
بقية حياتي في تحقيق تلك الأحلام البسيطة التي أخفقت في تحقيقها حينما كنت صغيراً
، أنظر للسماء كيفما شئت ، اقترب من شاشة التلفاز حتي الصق انفي بها ، أصنع طائرة
ورقية كالتي كان يصنعها ابناء شارعنا بإتقان بالغ ، أخرج ذراعي من نافذة السيارة
لأقتنص من الهواء ما حرمت منه سنيناً ، لكني مع الأسف صرت بطريقة ما واحداً من
هؤلاء "الكُبار" المتعقلين المتعالين فوق هذه الأمور الطفولية
التافهة...
***
-عارفة
اول طلب هطلبه من مراتي بعد الجواز ، تعملي عجينة كيكة و متسويهاش ، هاكلها عجينة
زي ما بحبها و انتقم من ايام الذل و الاستعباد.
-أيوة بس
كده يجيلك مغص.
-تبقي
لسة مخدوعة ، الكلام ده كل الأمهات بيقولوه عشان ينفذوا مخططاتهم الشريرة لحرماننا
من كل حاجة بنحبها.
-طب و
مستني مراتك تعملهالك ليه ما تعملها انت بنفسك و انت صغير ؟
-لأ ما اصل
الراجل مننا بيفضل عيل في بعض الجوانب لحد ما يتجوز.
-و بعد
ما يتجوز بيكبر ؟
-لأ ،
بيفضل عيل بردو.
***
الحقيقة
أننا نحن الصغار ، نحن الذين نصبح أكثر جموداً و سطحية بمرور الزمن ، اكثر واقعية
، برغم أن الخيال يثبت لنا يوماً بعد يوم أنه لم يكن سوي دعاية تجارية لما سيتحقق
في الواقع عما قريب...
عندما
تخبر طفلا أنه مازال صغيرا علي أن يدرك ذلك الواقع المؤلم القاس فأنت لا تسدِ له
خدمة كما تظن ، في الواقع أنت لم تفعل شيئاً سوي إخباره أن عليه تقبل هذا الواقع
اللعين كما هو ، و أن أية محاولة خرقاء منه لتبديله لا فائدة منها...
تقدم بضع
سنوات إلي الأمام و حاول التفوه مع ابويك بحديث أحمق عن رغبتك في دراسة الفن
التشكيلي او علم النفس أو أي هراء آخر بعيداً عن الطب و الهندسة ، لابد أنك تعرف
رد الفعل جيداً...
المشكلة
أن بعض الآباء لا يفهمون أبداً كيف يمكن أن تكون سعيداً في مجال اخترته للدراسة ،
إن المجال الذي ستنخرط بداخله لابد و أن يكون مزعجاً مؤلماً لا تفهم منه شيئاً
بسهولة و إلا صار بالنسبة لهم "لعب عيال" ، دعك من أنه لابد و أن يكون
مربحاً كذلك و إلا ستقضي بقية حياتك في التسول علي الأرصفة...
الحق
أن البالغين هم إحدي الأسباب الرئيسية في تأخر مجتمع كهذا ، يظنون الأمر برمته
يدور حول المال ، إنهم مبرمجون علي تربية و تعليم و توظيف و تزويج أبنائهم بطريقة
معينة لا يحيدون عنها أبداً...
لك
أن تتصور رجلاً يذهب لعمله دون أن يستشعر أدني لذة فيما يفعله ، كيف تتصور منه أن
يبدع في مجاله ؟
المهنة
مربحة ؟ نعم ، الرجل يعمل بضمير ؟ بالطبع ، لكن المشكلة لم تتعلق يوماً بمراعاة
الضمير في العمل بقدر ما تتعلق بمدي إمكانية الإبداع في ذلك العمل ، ان تحب ما
تفعله لدرجة أن تجد بداخلك مجالاً للإبداع فيه...
إنني
أتسائل ما الذي كان سيحدث لو أنني مارست في طفولتي كل تلك الأمور التي أستثارت
شغفي نحوها ، فربما لم أستطع أبداً و حتي الآن تحليق طائرة ورقية ، لكني متأكد من
أنني لو كنت فعلتها في صغري لتغيرت تفاصيل كثيرة في حياتي بعدها ، تفاصيل أعمق من
مجرد كونها تتعلق برغبة طفولية...