الأربعاء، ٢٨ مارس ٢٠١٢

ثلاث محطات تكفي...



السادات ، المحطة التي أحظي فيها ببعض لحظات الإثارة في بداية اليوم ، و ربما في اليوم كله...
بدءاً من تلك اللحظة التي ينفتح فيها الباب مروراً بتلك اللحظات التي أتجاوز فيها جميع المارة القادمين في الإتجاه العكسي وصولا إلي ذلك السلم المؤدي لاتجاه حلوان...
ما الإثارة في ذلك ؟ في الواقع لا أعلم لكني أجد الأمر مثيراً و كفي ، لماذا يجب أن تفهم كل شئ علي أي حال ؟ ألم يعلموك في المدارس أن بعض التساؤلات من الأفضل أن تظل كذلك ؟
وجوه وجوه نظرات نظرات ، و تعابير غامضة ، و كلها تمر في لمح البصر ، لكنها تمنحك متعة التساؤل بشأنها ولو لجزء من الثانية...
نظرة وقحة و أخري خجولة ، نظرة استكشاف و نظرة احتقار ، نظرة استعطاف و نظرة...لا لحظة ، تلك الأخيرة لم أشاهدها من قبل ولو حتي علي وجه متسول داخل المترو ، تلك نظرة بحاجة لمن يتفاعل معها و ليست من النوع اللحظي الذي يتم في لمح البصر...
فتاة معاقة ذات مقعد متحرك ، لو لم نكن أمام السلم المؤدي لاتجاه حلوان لقلت أنها بحاجة لـ"حسنة" ما...
-دعيني أخمن ، سأخرج عصاي السحرية لأحول ذلك الشئ إلي حصان مجنح يقلكِ إلي حيث تريدين.
هكذا سحبت الكتاب من يدي في وقاحة قائلة...
-أو ، تحاول جمع ثلاثة شباب يحملون ذلك الشئ معك بدلا من السخرية.
حسناً يجب أن أعترف أن هذا كان صادما ، أنا رغم وقاحتي لا أتوقع الوقاحة من الآخرين ، و خاصة من فتاة ، و الأخص أنها معاقة...
هكذا تلفتت حولي قائلا في نفاذ صبر...
-كوني أحمل كتابا عن سيكولوجية الفئات الخاصة لا يعني بالضرورة أنني أجيد التعامل معهم ، في الواقع أنا وغد حقير للغاية ، وغد متأخر عن المحاضرة الأولي.
**********************************
و علي رصيف اتجاه حلوان...
-جامعة حلوان هي عبارة عن مستنقع من السلالم المنبسطة علي مد البصر ، هل تحاولين إقناعي أنكِ تمرين بتلك المأساة يوميا ؟
-سلالم الجامعة دائماً توازيها منحدرات مخصصة للمقاعد المتحركة ، بالطبع الجميع يستخدمها أكثر من السلالم المتدرجة لكنهم ما أن يرون مقعدي حتي يفسحون لي المجال خجلين من أنفسهم ، ثم إنني ظننتك بالذكاء الكافي لتخمن دلالة وجود تلك الحقيبة معي ، أنا أسكن في المدينة الجامعية.
-أها.
-وغد و غبي ؟ هذا مخيب للآمال ، ظننتك تملك سببا وجيها لكونك وغدا أكثر من مجرد كونك وغداً.
أشرت نحو حقيبتها قائلاً...
-علي الأقل صرت الآن أملك سببا مقنعا لوقاحتكِ.
-ماذا تقصد ؟
قلت بينما أتأمل إنذار المترو القادم بترقب...
-أنتم معشر طلاب الأقاليم ، لديكم تلك النظرة العدوانية المستخفة نحو طلاب العاصمة ، نحن شباب "فرافير" لا نحضر المحاضرات ولا نهتم بأمر المجموع ، لا نأخذ الدراسة بجدية ، و كل ما يهمنا هو أن نمر بسلام من السنة الدراسية دون أن...
-أليست تلك هي الحقيقة ؟
لم أرد ، فقط انتظرت حتي توقف المترو و انفتح الباب لأدفع مقعدها للداخل في غيظ قائلا...
-علي كل حال ، كان شرف لي مقابلتكِ يا آنسة "معاقة" .
-إلي أين ؟
قلت بينما أقف أمام البوابة علي الرصيف...
-سأستقل المترو القادم ، كلي ثقة أنكِ لن تجدي مشكلة في اصطياد أحدهم لعبور سلالم محطة حلوان.
هكذا ما أن بدأ الباب في الإنغلاق ببطء حتي رفعت بيدها كتابا يبدو مألوفا لي و قالت...
-ألم تنس شيئا ؟
**********************************
سعد زغلول...
-آسفة بشأن معطفك.
-لا عليكِ ، ليست هذه المرة الأولي التي تغلق فيها البوابة علي ثيابي ، أنا أيضا أسحب كلامي بشان أهل الأقاليم.
-
تسحبه فقط ؟ لن تعتذر ؟
-لأنه علي الجانب الآخر لدي نظرية أخري بشأن وقاحتكِ.
-سيكون من دواعي سروري ألا أستمع لها.
-أسلوبكِ العدواني هذا لا يختلف كثيرا عن المقعد الذي تجلسين عليه ، إنه آداة تعويضية أخري و لكن في صيغة سيكولوجية ، لو كنت أكثر تحديدا لقلت أنها طريقتكِ الخاصة في قول : لست بهذا الضعف حقا أيها الأوغاد.
-أولاً و قبل أي شئ أنت لم تسحب كلماتك إلا لأنك أدركت يقينا كم أن نظرة طلاب الأقاليم صحيحة بشأنكم ، ثانيا ، آسفة لتخييب آمالك مرة أخري ، تلك كانت طبيعتي قبل الإعاقة و بعدها.
-و أنا لم أتحدث بشأن الإعاقة بقدر ما كنت أتحدث بشأن كونكِ فتاة في مجتمع ذكوري.
-بالله عليك أين هذا المجتمع الذكوري ؟ لقد صارت الإناث متشعبات في كل شئ و في كل مكان ، بل و صارت رؤية رجل هذه الأيام ظاهرة نادرة الحدوث.
رفعت حاجباي قائلا في ذهول...
-هذا رائع حقا ، بل مدهش و غير مألوف ، إن كانت هناك ظاهرة نادرة الحدوث حقا فهي رؤية فتاة مثلكِ تقول مثل هذا الكلام.
تجاهلتني مستكملة في حماس...
-و إن كنت ستتحدث عن التعويضات السيكولوجية فدعني أخبرك شيئا ، كل لحظات السعادة التي قد نمر بها ليست سوي تعويضات ، نحن في تلك الحياة لنشقي في المقام الأول.
-هذا غريب ، أليس من المفترض أن يكون المعاق قنوعا دائم الإبتسام بشكل مستفز ؟
-هذا يحدث في الأفلام فقط.
مططت شفتي مبتسما و قلت...
-علي الأقل الآن نتفق بشأن شئ ما ، كلانا يدرك جيدا قيمة المعاناة.
-صدقني ليست هذه طبيعتي علي الدوام ، لكن أهنئك ، لقد استطعت دفعي للعب بنفس طريقتك ، استطعت إخراج صورتي اليائسة إلي النور.
-في الواقع لم أكن يوما شخصية مؤثرة في الآخرين ، أنا فقط أدرس علم النفس.
-لم أقل أنك شخصية مؤثرة بل أقول أنك شخصية مريضة ، بعض المرضي يملكون نوع خاص من الكاريزما كما لابد أنك تعلم.
السيدة زينب...
مططت شفتي مستمرا في الإبتسام فقالت...
-بالرغم من ذلك فإنك تبدو سعيدا مهما قلت.
-لا ، و لكني في غاية الإنتشاء.
-حقا ؟ هل يدفعك الألم للانتشاء ؟ حسبما أظن هناك مصطلح لديكم يعبر عن...
-مازوخية ، و لا ، لست منتش لهذا السبب ، فقط أنا أجد متعة في رؤية البشاعة عن كثب ، متعة اكتشاف التفاصيل الدقيقة أيا كانت طبيعتها.
ساد الصمت لثوان قبل أن تلتفت نحوي قائلة...
-هذا لا ينفي أنك مريض.
-ما المشكلة في التماس بعض الإثارة بالألم علي كل حال ؟ في الواقع أنا أجد السعادة سطحية بلهاء للغاية بينما الحزن عميق و ناضج للغاية.
-لا تجري الأمور أبدا بتلك الطريقة ، ألا تصرخ حين تشعر بالألم فتلك مشكلة ، أن تبتسم حين تشعر بالألم فهذه كارثة.
ساد صمت آخر بيننا لثوان لم يقطعه سوي صوت اللاسلكي القادم من كابينة السائق...
هكذا نهضت من مقعدي نحو البوابة قائلاً...
-سأتوقف في المحطة القادمة.
-حقا ؟ هل ستستسلم الآن و تدع فتاة الأقاليم تفوز عليك ؟
لم أرد ، فقط ظللت أتأمل الطريق من خلف زجاج البوابة...
رصيف طوارئ !! حقا لم أفهم يوما ما مهمة رصيف كهذا يبعد عن محطة السيدة زينب ببضعة أمتار فحسب...
-مازال كتابك معي.
الملك الصالح...
-إحتفظي به.

الخميس، ١ مارس ٢٠١٢

نظرية الاستقرار...



زمان ، وانا صغير...

زمان ، أيام ما كنت بحب اسافر البلد مع امي و ابويا ، و ايام ما كانت الكنبة الخلفية بتستوعب طولي ، و أيام ما كان عندي البال الرايق لإني انام عليها و اتفرج ع الدنيا من ورا الشباك و هيا بتجري مننا ، و الشمس و هيا بتجري ورانا بإصرار غريب ، مكنتش بسأل نفسي ازاي الدبان بيطير جوا العربية رغم السرعة اللي ماشيين بيها ، و مكنتش بسأل نفسي ليه صوت المحرك بيخليني انام بعمق و احلم كمان ، كنت عارف بس اني بحب الجو ده و خلاص ، كنت عارف انه رغم السرعة اللي ماشيين بيها لكن مطمن و واثق ان ابويا مش هايلبس بينا ف عمود أو يقع بينا في الترعة ، ولو حصلت حاجة من دي هكون نايم و مش هحس بحاجة...
كنت عارف بس الحاجات اللي محتاج اعرفها عشان اطمن و بالي يرتاح ، و أي حاجة تانية مش مهم...



زمان ، وانا مش صغير...


لكن طبعا ، بمرور الوقت تراجع ترتيب الترابط العائلي في قايمة أولوياتي ، أساسا انا من زمان عندي مشكلة ف تحديد هوية قرايبنا ، ولو شفت ابن عمي ممكن افتكره ابن خالتي أو ابن بنت خالي أو أيا كان ، ناهيك عن نسيان الأسامي و الوجوه... 
القصد ان زياراتي للبلد قلت كتير ، ده غير ان الكنبة الخلفية مبقتش تساعني لا نوم ولا حتي جلوس ، كبرت و كبرت معايا مخاوفي و تساؤلاتي ، انا دايما بقول ان الخوف بيكبر و بيتطور معانا لصورة أنضج تلائم المرحلة العمرية اللي بنعيشها ، لكن في النهاية بتفضل جذوره نابعة من الطفل الصغير اللي جوانا...



دلوقت...

الجهل ساعات كتير بيكون له سحر جميل ، الجهل بالأسباب ، ساعات بحس ان لو مكناش عرفنا الحقيقة العلمية للظواهر الطبيعية كانت فضلت محتفظة بسحرها ف نظرنا...
لكن للأسف مؤخرا انشغلت بالسعي ورا الإجابات ، لدرجة اني بدأت اخاف ان الإجابات تنتهي رغم يقيني انها لا يمكن تنتهي...

عرفت ان الدبانة لا يمكن كانت تطير في العربية لو مكانتش السرعة ثابتة ، نفس السبب اللي بيخلي كل شئ جوا الطيارة مستقر طالما السرعة ثابتة...

نفس السبب اللي بيخليني انام علي صوت المحرك ، و صوت الباجور ، و صوت الغسالة ف برنامج العصر ، و صوت القطر ، و أي حاجة مزعجة بس المهم ان الإيقاع ثابت ، و السرعة ثابتة...
لازم السرعة تفضل ثابتة ، لازم...
و إلا كل حاجة هاتطير من مكانها...
و رغم انزعاجي وقت الثورة من الناس بتوع "خربتوا البلد" بس كنت متفهم وجهة نظرهم ، الناس دي مش بتفتقد الفساد ولا حاجة ، الناس دي بتفتقد الثبات ، الاستقرار ، أيا كانت الحالة اللي كانت عليها حياتهم بس الاستقرار بالنسبالهم كان شئ مطمئن ، الفساد بالنسبالهم كان صوته مزعج صحيح بس كان إيقاعه ثابت ، و سرعته ثابتة...
و عشان كده كان رد فعلهم طبيعي جداً مع أول تغير في السرعة ، لإن كل حاجة طارت من مكانها...
Share |