السادات ، المحطة التي أحظي فيها ببعض لحظات الإثارة في بداية اليوم
، و ربما في اليوم كله...
بدءاً من تلك اللحظة التي ينفتح فيها الباب مروراً بتلك اللحظات التي أتجاوز فيها جميع المارة القادمين في الإتجاه العكسي وصولا إلي ذلك السلم المؤدي لاتجاه حلوان...
ما الإثارة في ذلك ؟ في الواقع لا أعلم لكني أجد الأمر مثيراً و كفي ، لماذا يجب أن تفهم كل شئ علي أي حال ؟ ألم يعلموك في المدارس أن بعض التساؤلات من الأفضل أن تظل كذلك ؟
وجوه وجوه نظرات نظرات ، و تعابير غامضة ، و كلها تمر في لمح البصر ، لكنها تمنحك متعة التساؤل بشأنها ولو لجزء من الثانية...
نظرة وقحة و أخري خجولة ، نظرة استكشاف و نظرة احتقار ، نظرة استعطاف و نظرة...لا لحظة ، تلك الأخيرة لم أشاهدها من قبل ولو حتي علي وجه متسول داخل المترو ، تلك نظرة بحاجة لمن يتفاعل معها و ليست من النوع اللحظي الذي يتم في لمح البصر...
فتاة معاقة ذات مقعد متحرك ، لو لم نكن أمام السلم المؤدي لاتجاه حلوان لقلت أنها بحاجة لـ"حسنة" ما...
-دعيني أخمن ، سأخرج عصاي السحرية لأحول ذلك الشئ إلي حصان مجنح يقلكِ إلي حيث تريدين.
هكذا سحبت الكتاب من يدي في وقاحة قائلة...
-أو ، تحاول جمع ثلاثة شباب يحملون ذلك الشئ معك بدلا من السخرية.
حسناً يجب أن أعترف أن هذا كان صادما ، أنا رغم وقاحتي لا أتوقع الوقاحة من الآخرين ، و خاصة من فتاة ، و الأخص أنها معاقة...
هكذا تلفتت حولي قائلا في نفاذ صبر...
-كوني أحمل كتابا عن سيكولوجية الفئات الخاصة لا يعني بالضرورة أنني أجيد التعامل معهم ، في الواقع أنا وغد حقير للغاية ، وغد متأخر عن المحاضرة الأولي.
**********************************
و علي رصيف اتجاه حلوان...
-جامعة حلوان هي عبارة عن مستنقع من السلالم المنبسطة علي مد البصر ، هل تحاولين إقناعي أنكِ تمرين بتلك المأساة يوميا ؟
-سلالم الجامعة دائماً توازيها منحدرات مخصصة للمقاعد المتحركة ، بالطبع الجميع يستخدمها أكثر من السلالم المتدرجة لكنهم ما أن يرون مقعدي حتي يفسحون لي المجال خجلين من أنفسهم ، ثم إنني ظننتك بالذكاء الكافي لتخمن دلالة وجود تلك الحقيبة معي ، أنا أسكن في المدينة الجامعية.
-أها.
-وغد و غبي ؟ هذا مخيب للآمال ، ظننتك تملك سببا وجيها لكونك وغدا أكثر من مجرد كونك وغداً.
أشرت نحو حقيبتها قائلاً...
-علي الأقل صرت الآن أملك سببا مقنعا لوقاحتكِ.
-ماذا تقصد ؟
قلت بينما أتأمل إنذار المترو القادم بترقب...
-أنتم معشر طلاب الأقاليم ، لديكم تلك النظرة العدوانية المستخفة نحو طلاب العاصمة ، نحن شباب "فرافير" لا نحضر المحاضرات ولا نهتم بأمر المجموع ، لا نأخذ الدراسة بجدية ، و كل ما يهمنا هو أن نمر بسلام من السنة الدراسية دون أن...
-أليست تلك هي الحقيقة ؟
لم أرد ، فقط انتظرت حتي توقف المترو و انفتح الباب لأدفع مقعدها للداخل في غيظ قائلا...
-علي كل حال ، كان شرف لي مقابلتكِ يا آنسة "معاقة" .
-إلي أين ؟
قلت بينما أقف أمام البوابة علي الرصيف...
-سأستقل المترو القادم ، كلي ثقة أنكِ لن تجدي مشكلة في اصطياد أحدهم لعبور سلالم محطة حلوان.
هكذا ما أن بدأ الباب في الإنغلاق ببطء حتي رفعت بيدها كتابا يبدو مألوفا لي و قالت...
-ألم تنس شيئا ؟
**********************************
سعد زغلول...
-آسفة بشأن معطفك.
-لا عليكِ ، ليست هذه المرة الأولي التي تغلق فيها البوابة علي ثيابي ، أنا أيضا أسحب كلامي بشان أهل الأقاليم.
-تسحبه فقط ؟ لن تعتذر ؟
-لأنه علي الجانب الآخر لدي نظرية أخري بشأن وقاحتكِ.
-سيكون من دواعي سروري ألا أستمع لها.
-أسلوبكِ العدواني هذا لا يختلف كثيرا عن المقعد الذي تجلسين عليه ، إنه آداة تعويضية أخري و لكن في صيغة سيكولوجية ، لو كنت أكثر تحديدا لقلت أنها طريقتكِ الخاصة في قول : لست بهذا الضعف حقا أيها الأوغاد.
-أولاً و قبل أي شئ أنت لم تسحب كلماتك إلا لأنك أدركت يقينا كم أن نظرة طلاب الأقاليم صحيحة بشأنكم ، ثانيا ، آسفة لتخييب آمالك مرة أخري ، تلك كانت طبيعتي قبل الإعاقة و بعدها.
-و أنا لم أتحدث بشأن الإعاقة بقدر ما كنت أتحدث بشأن كونكِ فتاة في مجتمع ذكوري.
بدءاً من تلك اللحظة التي ينفتح فيها الباب مروراً بتلك اللحظات التي أتجاوز فيها جميع المارة القادمين في الإتجاه العكسي وصولا إلي ذلك السلم المؤدي لاتجاه حلوان...
ما الإثارة في ذلك ؟ في الواقع لا أعلم لكني أجد الأمر مثيراً و كفي ، لماذا يجب أن تفهم كل شئ علي أي حال ؟ ألم يعلموك في المدارس أن بعض التساؤلات من الأفضل أن تظل كذلك ؟
وجوه وجوه نظرات نظرات ، و تعابير غامضة ، و كلها تمر في لمح البصر ، لكنها تمنحك متعة التساؤل بشأنها ولو لجزء من الثانية...
نظرة وقحة و أخري خجولة ، نظرة استكشاف و نظرة احتقار ، نظرة استعطاف و نظرة...لا لحظة ، تلك الأخيرة لم أشاهدها من قبل ولو حتي علي وجه متسول داخل المترو ، تلك نظرة بحاجة لمن يتفاعل معها و ليست من النوع اللحظي الذي يتم في لمح البصر...
فتاة معاقة ذات مقعد متحرك ، لو لم نكن أمام السلم المؤدي لاتجاه حلوان لقلت أنها بحاجة لـ"حسنة" ما...
-دعيني أخمن ، سأخرج عصاي السحرية لأحول ذلك الشئ إلي حصان مجنح يقلكِ إلي حيث تريدين.
هكذا سحبت الكتاب من يدي في وقاحة قائلة...
-أو ، تحاول جمع ثلاثة شباب يحملون ذلك الشئ معك بدلا من السخرية.
حسناً يجب أن أعترف أن هذا كان صادما ، أنا رغم وقاحتي لا أتوقع الوقاحة من الآخرين ، و خاصة من فتاة ، و الأخص أنها معاقة...
هكذا تلفتت حولي قائلا في نفاذ صبر...
-كوني أحمل كتابا عن سيكولوجية الفئات الخاصة لا يعني بالضرورة أنني أجيد التعامل معهم ، في الواقع أنا وغد حقير للغاية ، وغد متأخر عن المحاضرة الأولي.
**********************************
و علي رصيف اتجاه حلوان...
-جامعة حلوان هي عبارة عن مستنقع من السلالم المنبسطة علي مد البصر ، هل تحاولين إقناعي أنكِ تمرين بتلك المأساة يوميا ؟
-سلالم الجامعة دائماً توازيها منحدرات مخصصة للمقاعد المتحركة ، بالطبع الجميع يستخدمها أكثر من السلالم المتدرجة لكنهم ما أن يرون مقعدي حتي يفسحون لي المجال خجلين من أنفسهم ، ثم إنني ظننتك بالذكاء الكافي لتخمن دلالة وجود تلك الحقيبة معي ، أنا أسكن في المدينة الجامعية.
-أها.
-وغد و غبي ؟ هذا مخيب للآمال ، ظننتك تملك سببا وجيها لكونك وغدا أكثر من مجرد كونك وغداً.
أشرت نحو حقيبتها قائلاً...
-علي الأقل صرت الآن أملك سببا مقنعا لوقاحتكِ.
-ماذا تقصد ؟
قلت بينما أتأمل إنذار المترو القادم بترقب...
-أنتم معشر طلاب الأقاليم ، لديكم تلك النظرة العدوانية المستخفة نحو طلاب العاصمة ، نحن شباب "فرافير" لا نحضر المحاضرات ولا نهتم بأمر المجموع ، لا نأخذ الدراسة بجدية ، و كل ما يهمنا هو أن نمر بسلام من السنة الدراسية دون أن...
-أليست تلك هي الحقيقة ؟
لم أرد ، فقط انتظرت حتي توقف المترو و انفتح الباب لأدفع مقعدها للداخل في غيظ قائلا...
-علي كل حال ، كان شرف لي مقابلتكِ يا آنسة "معاقة" .
-إلي أين ؟
قلت بينما أقف أمام البوابة علي الرصيف...
-سأستقل المترو القادم ، كلي ثقة أنكِ لن تجدي مشكلة في اصطياد أحدهم لعبور سلالم محطة حلوان.
هكذا ما أن بدأ الباب في الإنغلاق ببطء حتي رفعت بيدها كتابا يبدو مألوفا لي و قالت...
-ألم تنس شيئا ؟
**********************************
سعد زغلول...
-آسفة بشأن معطفك.
-لا عليكِ ، ليست هذه المرة الأولي التي تغلق فيها البوابة علي ثيابي ، أنا أيضا أسحب كلامي بشان أهل الأقاليم.
-تسحبه فقط ؟ لن تعتذر ؟
-لأنه علي الجانب الآخر لدي نظرية أخري بشأن وقاحتكِ.
-سيكون من دواعي سروري ألا أستمع لها.
-أسلوبكِ العدواني هذا لا يختلف كثيرا عن المقعد الذي تجلسين عليه ، إنه آداة تعويضية أخري و لكن في صيغة سيكولوجية ، لو كنت أكثر تحديدا لقلت أنها طريقتكِ الخاصة في قول : لست بهذا الضعف حقا أيها الأوغاد.
-أولاً و قبل أي شئ أنت لم تسحب كلماتك إلا لأنك أدركت يقينا كم أن نظرة طلاب الأقاليم صحيحة بشأنكم ، ثانيا ، آسفة لتخييب آمالك مرة أخري ، تلك كانت طبيعتي قبل الإعاقة و بعدها.
-و أنا لم أتحدث بشأن الإعاقة بقدر ما كنت أتحدث بشأن كونكِ فتاة في مجتمع ذكوري.
-بالله
عليك أين هذا المجتمع الذكوري ؟ لقد صارت الإناث متشعبات في كل شئ و في كل مكان ، بل و صارت رؤية رجل هذه الأيام
ظاهرة نادرة الحدوث.
رفعت حاجباي قائلا في ذهول...
-هذا رائع حقا ، بل مدهش و غير مألوف ، إن كانت هناك ظاهرة نادرة الحدوث حقا فهي رؤية فتاة مثلكِ تقول مثل هذا الكلام.
تجاهلتني مستكملة في حماس...
-و إن كنت ستتحدث عن التعويضات السيكولوجية فدعني أخبرك شيئا ، كل لحظات السعادة التي قد نمر بها ليست سوي تعويضات ، نحن في تلك الحياة لنشقي في المقام الأول.
-هذا غريب ، أليس من المفترض أن يكون المعاق قنوعا دائم الإبتسام بشكل مستفز ؟
-هذا يحدث في الأفلام فقط.
مططت شفتي مبتسما و قلت...
-علي الأقل الآن نتفق بشأن شئ ما ، كلانا يدرك جيدا قيمة المعاناة.
-صدقني ليست هذه طبيعتي علي الدوام ، لكن أهنئك ، لقد استطعت دفعي للعب بنفس طريقتك ، استطعت إخراج صورتي اليائسة إلي النور.
-في الواقع لم أكن يوما شخصية مؤثرة في الآخرين ، أنا فقط أدرس علم النفس.
-لم أقل أنك شخصية مؤثرة بل أقول أنك شخصية مريضة ، بعض المرضي يملكون نوع خاص من الكاريزما كما لابد أنك تعلم.
السيدة زينب...
مططت شفتي مستمرا في الإبتسام فقالت...
-بالرغم من ذلك فإنك تبدو سعيدا مهما قلت.
-لا ، و لكني في غاية الإنتشاء.
-حقا ؟ هل يدفعك الألم للانتشاء ؟ حسبما أظن هناك مصطلح لديكم يعبر عن...
-مازوخية ، و لا ، لست منتش لهذا السبب ، فقط أنا أجد متعة في رؤية البشاعة عن كثب ، متعة اكتشاف التفاصيل الدقيقة أيا كانت طبيعتها.
ساد الصمت لثوان قبل أن تلتفت نحوي قائلة...
-هذا لا ينفي أنك مريض.
-ما المشكلة في التماس بعض الإثارة بالألم علي كل حال ؟ في الواقع أنا أجد السعادة سطحية بلهاء للغاية بينما الحزن عميق و ناضج للغاية.
-لا تجري الأمور أبدا بتلك الطريقة ، ألا تصرخ حين تشعر بالألم فتلك مشكلة ، أن تبتسم حين تشعر بالألم فهذه كارثة.
ساد صمت آخر بيننا لثوان لم يقطعه سوي صوت اللاسلكي القادم من كابينة السائق...
هكذا نهضت من مقعدي نحو البوابة قائلاً...
-سأتوقف في المحطة القادمة.
-حقا ؟ هل ستستسلم الآن و تدع فتاة الأقاليم تفوز عليك ؟
لم أرد ، فقط ظللت أتأمل الطريق من خلف زجاج البوابة...
رصيف طوارئ !! حقا لم أفهم يوما ما مهمة رصيف كهذا يبعد عن محطة السيدة زينب ببضعة أمتار فحسب...
-مازال كتابك معي.
الملك الصالح...
-إحتفظي به.
رفعت حاجباي قائلا في ذهول...
-هذا رائع حقا ، بل مدهش و غير مألوف ، إن كانت هناك ظاهرة نادرة الحدوث حقا فهي رؤية فتاة مثلكِ تقول مثل هذا الكلام.
تجاهلتني مستكملة في حماس...
-و إن كنت ستتحدث عن التعويضات السيكولوجية فدعني أخبرك شيئا ، كل لحظات السعادة التي قد نمر بها ليست سوي تعويضات ، نحن في تلك الحياة لنشقي في المقام الأول.
-هذا غريب ، أليس من المفترض أن يكون المعاق قنوعا دائم الإبتسام بشكل مستفز ؟
-هذا يحدث في الأفلام فقط.
مططت شفتي مبتسما و قلت...
-علي الأقل الآن نتفق بشأن شئ ما ، كلانا يدرك جيدا قيمة المعاناة.
-صدقني ليست هذه طبيعتي علي الدوام ، لكن أهنئك ، لقد استطعت دفعي للعب بنفس طريقتك ، استطعت إخراج صورتي اليائسة إلي النور.
-في الواقع لم أكن يوما شخصية مؤثرة في الآخرين ، أنا فقط أدرس علم النفس.
-لم أقل أنك شخصية مؤثرة بل أقول أنك شخصية مريضة ، بعض المرضي يملكون نوع خاص من الكاريزما كما لابد أنك تعلم.
السيدة زينب...
مططت شفتي مستمرا في الإبتسام فقالت...
-بالرغم من ذلك فإنك تبدو سعيدا مهما قلت.
-لا ، و لكني في غاية الإنتشاء.
-حقا ؟ هل يدفعك الألم للانتشاء ؟ حسبما أظن هناك مصطلح لديكم يعبر عن...
-مازوخية ، و لا ، لست منتش لهذا السبب ، فقط أنا أجد متعة في رؤية البشاعة عن كثب ، متعة اكتشاف التفاصيل الدقيقة أيا كانت طبيعتها.
ساد الصمت لثوان قبل أن تلتفت نحوي قائلة...
-هذا لا ينفي أنك مريض.
-ما المشكلة في التماس بعض الإثارة بالألم علي كل حال ؟ في الواقع أنا أجد السعادة سطحية بلهاء للغاية بينما الحزن عميق و ناضج للغاية.
-لا تجري الأمور أبدا بتلك الطريقة ، ألا تصرخ حين تشعر بالألم فتلك مشكلة ، أن تبتسم حين تشعر بالألم فهذه كارثة.
ساد صمت آخر بيننا لثوان لم يقطعه سوي صوت اللاسلكي القادم من كابينة السائق...
هكذا نهضت من مقعدي نحو البوابة قائلاً...
-سأتوقف في المحطة القادمة.
-حقا ؟ هل ستستسلم الآن و تدع فتاة الأقاليم تفوز عليك ؟
لم أرد ، فقط ظللت أتأمل الطريق من خلف زجاج البوابة...
رصيف طوارئ !! حقا لم أفهم يوما ما مهمة رصيف كهذا يبعد عن محطة السيدة زينب ببضعة أمتار فحسب...
-مازال كتابك معي.
الملك الصالح...
-إحتفظي به.