السبت، ١٦ يوليو ٢٠١١

بلا أسباب...



كعادتها ترتدي النظارة الرفيعة التي كان من المفترض أن تكون (كعب كوباية) لولا أن التكنولوجيا خدمتها و قدمت لمن هو في مثل وضعها تلك العدسات المضغوطة الأنيقة ، أحياناً أشعر أنها ليست ضعيفة البصر من الأساس لكنها ترتديها وقت الجلسات كنوع من التظاهر بالحكمة أمام المرضي ، لا أحد ينكر ذلك التأثير السحري للنظارات علي كل حال...
-حسنا و ماذا عن الثقة ؟
-................................
-سيد طارق.
-نعم ؟
-ركز معي من فضلك ، كنت أقول هل ندمت يوماً علي الوثوق بأحدهم ؟
مططت شفتي قائلاً...
-اممم...لا أظن ذلك ، لسبب بسيط هو أنني لم أثق بأحدهم يوماً ، ليس لأنني كففت عن الوثوق بأحد بل لأنني لم أستخدم يوماً تلك الآداة الإجتماعية المسماة بالثقة.
-إذن ماذا تفعل حين ترغب بالشكوي لأحدهم ؟
-مم سأشكو إن لم أثق بأحد ؟ إن الشكوي غالباً تنجم عن خيانة أحدهم لثقتنا به ، هكذا نشكو لشخص جديد عن خيانة القديم و نقضي معه بعض الوقت نشكو و نشكو حتي يخون ثقتنا كالقديم و نشكوه لواحد جديد و....
-حسناً حسناً وصلت المعلومة.
تصمت قليلاً لتدون شيئاً ما بمفكرتها و تعود لتسأل قائلة...
-لكن من يملك نظرة سوداوية كهذه لابد و أن لديه خبرة سيئة بهذا الصدد.
-تقصدين أن أحدهم خان ثقتي به لكنني أنكر هذا لأنني بطبيعة الحال مريض نفسياً.
فتحت فمها لتقول شيئاً ثم تراجعت قائلة في تردد...
-نعم ، شئ كهذا.
-من يبحث عمن يثق به هو حتماً شخص لديه أسرار ، و أنا في الواقع لا أملك الكثير منها.
-اممم ، تبدوا لي مرتاحاً هكذا.
-ليس لديكِ فكرة.
-إذن لابد من أن هناك سبب آخر لوجودك هنا.
-هل ترين بهذه النظارة حقاً ؟
-من فضلك لا تخرج عن مسار الجلسة.
-آسف.
تأخذ نفساً عميقا ثم تعيد سؤالها قائلة...
-لماذا جئت هنا ؟
تراجعت برأسي للخلف مفكراً و قلت...
-لا أعلم ، حقاً لا أعلم.
-لن أستمر في جلسة لا يعرف مريضها سبباً للخوض فيها.
-لا أفهم لماذا يجب أن تكون أفعالي دائماً مسببة ؟ أليس لي الحق في بعض الـ....هراء ؟
-ليس معي.
ألتزمت الصمت لثوانٍ محاولاً البحث عن سبب مقنع...
-حسنا ، ربما يمكننا القول أنني بحاجة لمن يخبرني بأنني لست بخير.

الخميس، ٧ يوليو ٢٠١١

مشاعر فريدة من نوعها...



ذات يوم قرصتني تلك الحشرة الغريبة علي ساعدي ، حشرة لم أر مثلها من قبل...
و لكن منذ متي كانت الحشرات كلها معروفة ، إنني لست خبيراً في علم الأحياء كي أدقق في مثل هذه الأشياء...
و كعادة كل القرصات فقد احمر موضعها ، و تركت علامة واضحة كقرصات الباعوض ، لكنها ظلت فترة أطول من المعتاد ، ظلت أياماً ، بل و أسابيع و العلامة تزداد اتساعاً و وضوحاً و ألماً ، و صارت صلبة أقرب للحجر...
لم أذهب لطبيب ، بل و لم أفكر في ذلك ، لست من هذا النوع الهستيري الذي يذهب لطبيب لمجرد أن لديه (واوا) ضخمة بعض الشئ...
بعد أيام اتخذ الأمر منحني آخر ، منحني لا يقتضي الذهاب لطبيب بل لجنايني !!
لقد نبتت العلامة الحمراء علي ساعدي ، و ظهر من قمتها برعماً صغيرأ أخضر اللون يشبه بالضبط ذلك الذي ينبت في أفرع الشجر ، كان الأمر غريباً و مخيفاً لكنه أثار اهتمامي بذات الوقت ، هل أعرضها أمام الناس و أدخل بها موسوعة جينيس ؟ لا ، سيكون الأمر سخيفاً ، و سأبدوا كأنني وغد آخر يسعي للشهرة ، هل أنتزعها بملقاط ؟ لا ، أنا لا أريد ذلك حقاً ، ما المشكلة في وجود نبتة بجسدي علي كل حال ؟ لا يوجد حل إذن سوي إخفائها عن أعين الناس...
هكذا قضيت أياماً كنت حريصاً فيها علي ارتداء قمصان بأكمام طويلة ، و أنا لم أكن معتادا إلا علي ارتداء التي شيرتات ، كنت أشعر بنظرات الجميع نحو ساعدي ، كنت أغطيه دائما بيدي و كأنما أخشي علي النبتة أن تصطدم بشئ ما ، كان مظهري مريباً لكنني كنت سعيد بتلك النبتة حقاً...
لم تكن تحتاج لمياه علي الإطلاق ، و كأنها تستمد المياه من جسدي ، لكن المشكلة كانت تكمن في الضوء ، لقد بدأت في الذبول تدريجيا و أصابني هذا بالهلع ، حقاً أصابني بالهلع و كان هذا رد فعل طبيعي لم أره غريباً حينها ، فقد نمت بداخلي مشاعر غريبة تجاه تلك النبتة ، مشاعر تشبه بالضبط مشاعر الأبوة التي تنمو بداخل الرجل لدي رؤية طفله الصغير للمرة الأولي...
لم أهتم يوماً بتفسير وجود النبتة ، لم أهتم بأي شئ سوي بها ، قررت الاستقالة من عملي و الإنعزال عن العالم و التفرغ لها ، فقط لها ، و ظلت هي تنمو حتي بدأت أشعر بثقلها علي ساعدي...
لا أذكر كم مكالمة لم أرد عليها أو كم زائر لم أفتح له الباب ، لقد صرت لا أؤمن بأي حقيقة في الكون سوي تلك النبتة ، إنها أنا ، و أنا هي...
-حسناً يا سيد طارق ، هل تراها الآن ؟
-نعم.
-كم بلغ طولها ؟
-حوالي خمسة سنتيمترات.
-ألم تفكر مثلاً بنقلها لمكان آخر تكون فيه أكثر أماناً ؟ وعاء زهور مثلاً.
-لا ، إنها جزء مني بل و أهم مني.
-سيد طارق ، أنت هنا كي تتعالج من ذلك الوهم الذي تراه ، لا توجد نبتة علي ساعدك و أعلم أنه من الصعب عليك تصديق ذلك.
-ماذا تقصدين ؟
-أنت تهلوس يا سيد طارق ، و حالتك متقدمة للغاية و خطرة.
-أنت كاذبة ، تريدين سرقة النبتة مني.
-لا توجد نبتة يا سيد طارق.
-الجميع يعلمون بوجودها ، الكل يريد أخذها مني.
خلعت الطبيبة نظارتها في نفاذ صبر قائلة...
-سيكون علاج هذا صعباً.
Share |