كعادتها
ترتدي النظارة الرفيعة التي كان من المفترض أن تكون (كعب كوباية) لولا أن
التكنولوجيا خدمتها و قدمت لمن هو في مثل وضعها تلك العدسات المضغوطة الأنيقة ،
أحياناً أشعر أنها ليست ضعيفة البصر من الأساس لكنها ترتديها وقت الجلسات كنوع من
التظاهر بالحكمة أمام المرضي ، لا أحد ينكر ذلك التأثير السحري للنظارات علي كل
حال...
-حسنا
و ماذا عن الثقة ؟
-................................
-سيد طارق.
-نعم
؟
-ركز
معي من فضلك ، كنت أقول هل ندمت يوماً علي الوثوق بأحدهم ؟
مططت
شفتي قائلاً...
-اممم...لا أظن ذلك ، لسبب بسيط هو أنني لم أثق بأحدهم
يوماً ، ليس لأنني كففت عن الوثوق بأحد بل لأنني لم أستخدم يوماً تلك الآداة
الإجتماعية المسماة بالثقة.
-إذن ماذا
تفعل حين ترغب بالشكوي لأحدهم ؟
-مم سأشكو إن لم أثق
بأحد ؟ إن الشكوي غالباً تنجم عن خيانة أحدهم لثقتنا به ، هكذا نشكو لشخص جديد عن
خيانة القديم و نقضي معه بعض الوقت نشكو و نشكو حتي يخون ثقتنا كالقديم و نشكوه
لواحد جديد و....
-حسناً حسناً وصلت
المعلومة.
تصمت قليلاً لتدون شيئاً
ما بمفكرتها و تعود لتسأل قائلة...
-لكن من يملك نظرة
سوداوية كهذه لابد و أن لديه خبرة سيئة بهذا الصدد.
-تقصدين أن أحدهم خان
ثقتي به لكنني أنكر هذا لأنني بطبيعة الحال مريض نفسياً.
فتحت فمها لتقول شيئاً
ثم تراجعت قائلة في تردد...
-نعم ، شئ كهذا.
-من يبحث عمن يثق به هو
حتماً شخص لديه أسرار ، و أنا في الواقع لا أملك الكثير منها.
-اممم ، تبدوا لي
مرتاحاً هكذا.
-ليس لديكِ فكرة.
-إذن لابد من أن هناك
سبب آخر لوجودك هنا.
-هل ترين بهذه النظارة
حقاً ؟
-من فضلك لا تخرج عن
مسار الجلسة.
-آسف.
تأخذ نفساً عميقا ثم
تعيد سؤالها قائلة...
-لماذا جئت هنا ؟
تراجعت برأسي للخلف مفكراً و قلت...
-لا أعلم ، حقاً لا أعلم.
-لن أستمر في جلسة لا يعرف مريضها سبباً للخوض فيها.
-لا أفهم لماذا يجب أن تكون أفعالي دائماً مسببة ؟ أليس لي الحق في بعض الـ....هراء ؟
-ليس معي.
ألتزمت الصمت لثوانٍ محاولاً البحث عن سبب مقنع...
-حسنا ، ربما يمكننا القول أنني بحاجة لمن يخبرني بأنني لست بخير.