الخميس، ٢٧ فبراير ٢٠١٤

النمط-1

الإسكندرية..
الواحدة بعد منتصف الليل..
يقف د.شادي في شرفة غرفته بأحد الفنادق المتواضعة ، محاولاً الاستمتاع بأكبر قدر من هواء الاسكندرية المنعش رغم أن الشرفة لا تطل سوى على شارع ضيق للغاية..
لا شئ قد يعكر صفوه في مثل هذا الجو ، لا شئ على الإطلاق ، لا شئ سوى رجل كهذا المستند على عمود النور منذ ساعة مضت تقريباً ، هل يعقل أنه مازال في نفس موضعه منذ خرج للشرفة قبل قليل ؟!
المشكلة أنك حين تصبح متورطا في خضم أمر ضخم فإنك بالتبعية تضخم من شأن كل أمر تافه يصادفك ، ما المزعج في أن يقف أحدهم أسفل شرفتك لا يفعل شيئا سوى التحديق إليك و كأنما يخبرك عمدا بوجوده لأجلك ؟!
تعلم ؟ في أفلام الجواسيس المبتذلة ، يهبط البطل الواثق بنفسه من الفندق لاستدراج متتبعه إلى مكان مهجور يمكنهم فيه العراك سويا ، يقتل البطل متتبعه ليمسكه بعد ذلك من ياقة معطفه مستفهماً منه عمن أرسله ، ثم يرحل ضجراً للغاية متحسراً في سره على تلك الأيام التى كان يجيب فيها القتلى على تساؤلاته  !
و لكن ماذا لو لم تكن البطل هنا ؟ ماذا لو كنت صديق البطل ؟ صديق البطل يموت دائما كالمغفل في منتصف الفيلم و أحيانا في بدايته ، سيداهمك ذاك الرجل في ثقة عند ذلك الزقاق المظلم ، ستثقل خطواتك فجأة ، و سيزداد تنفسك صعوبة ، و في ثوان ينتهي كل شئ ، ثم لا يذكرون اسمك ثانية حتى تتر النهاية لانشغالهم بإنقاذ العالم من قبضة الشر...
لا ، هو لن يخطئ كالباقين ، لن يكون صديق البطل الذي يموت دائماً ليترك فضل القضاء على الأشرار للبطل ، سيكون هو البطل هذه المرة...
هكذا دلف د.شادي لغرفته في هدوء تام و عاد بعدها بثوان ليجد الرجل مازال محدقاً نحوه أسفل ضوء العمود الأصفر الكئيب ، أخرج مسدسه البارد الذي لم يستخدمه يوماً من جيب معطفه ثم وجهه نحو الرجل متسائلاً بداخله عن السبب الذي يمنع أكثر مخرجي هوليوود احترافاً من ابتكار مشهد بديل و موجز كهذا...
و التزاما منا بالابتذالية فحتماً تعلم أننا سنتوقف عند هذه النقطة دون إخبارك بما حدث تحديداً لنعود إليها في النهاية و نخبرك كم أنك أحمق ساذج ، شخصياً لا أفهم الحكمة من وراء ذلك لكنه يمنحني شعوراً بالاحترافية ، ما المثير أصلاً في رواية بدأت بقتل شخص لا تعرفه ؟
أنا نفسي لا أعرفه !

Share |