السبت، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤

لماذا صارت السماء تذكرني بأبي...

أخبرت نفسي أن الأمر لم يعد بهذه الصعوبة..
أن أكتب هوسي بالفكرة، بالحالة، في طريق العودة من الأجازة..
لم تعد المدينة الفارغة فجراً تخيفني، وحدها المدن التي كفت عن السهر، وحدها هي الخائفة..
و أنا، صرت لا أخشى الفقد، التعلق بالرفاق، أو موتهم، لا أخشى وسط المدينة المهجور الذي كان يحتوينا منذ ساعات بعفنه، بصوته المبحوح و رغبته اليائسة في الإرتقاء...
في رمسيس رأيت أبي، فلاحاً ذو جلباب و شال فاخر، يحمل حقائب السفر...
لم أرتمِ في أحضانه، لم أكن أفعل حين كان هنا، وددت فقط لو استوقفته لحظة لأسأله، لماذا تصبح الأمور أصعب حين أدرك الطريقة التي تسير وفقا لها...
لماذا تصبح الأحداث أعنف، صادمة و غير متوقعة برغم نمطية تكرارها...
لماذا لم يزرني حتى الآن في الرؤيا ! و لماذا رباني بتلك الطريقة التي لا تجعلني منزعجاً من غيابه، و لم تمنحني فرصة للبكاء كبقية الأبناء..
لم يكن أبي حكيماً، بل كان يخشى الزمن، كان يخشى الفقر و المرض، كان طفلاً خائفاً كبقية الآباء، لم يترك مقولة بليغة أو نصيحة ذات مغزى عميق...
الخائفة تسآل: أين يسكن الموتى لحين المستقر ؟!
و أمي : في البرزخ، قالت...
أمي الحكيمة التي تعرف كل شئ، بكت بحرقة، و كنت أقنع نفسي أنها تبكي لأجل المنطق لا الإنفعال...
أمي التي تعرف الإسم الأعظم للإله، أبكاها الفقد!!
و كنت لا أفهم/نسيت ما علمتني قوله حين تمطر السماء وقت اغتراب أبي عنا صغاراً، أو حين تمر طائرة فأقول هو ذاك أبي..
الآن أفهم، لماذا صارت السماء تذكرني بأبي، و الجيش اللعين لم ينتق مكاناً أفضل من ألماظة، عند أقرب نقطة للهبوط..
تقول البائسة : لعله زارك، لعله يفعل كل ليلة في صمت حكيم، لعل البرزخ جعله أكثر عمقا..
و أنت تحب الصمت، تحبه بقدر ما أحببتك..
Share |