الأربعاء، ١٦ يناير ٢٠١٣

طيارة ورق...




لطالما تمنيت في صغري لو أن بإمكاني صنع طائرة ورقية ، لقد كان مشهد الطائرات الورقية في عطلة الصيف يشعرني بالسلام الداخلي حقا ، لكن عظمة المشهد لم تسمح لي أبداً باستيعاب فكرة أن أكون أحد المساهمين في تلك اللوحة الرائعة...

***

-بطل تبص للسما كتير ، السما هتضعف نظرك ، السما هتاخد عنيك.


***

أمهاتنا كانت تخشي علينا من هذا العالم ، تخشي علينا حتي من أجمل ما فيه ، بل إنني أحياناً أشعر أنهم كانوا يخشون علينا من كل شئ احببناه و انجذبنا له ، أنا أتفهم ذلك...
إنني أذكر تلك المرة الوحيدة التي حاولت فيها أمي تشجيعي علي تحليق طائرة ورقية ، كان موقفاً مليئاً بعلامات الاستفهام ، أن تشجعك امك علي ما كانت تمنعك عنه فيما سبق ، لكنها أدركت كم كانت متأخرة للغاية علي كل حال ، فإنني لم استطع وقتها تحليق الطائرة ولو متراً واحداً في الهواء...
من الغباء أن ألوم أبواي الآن علي أي شئ ، لكن المشكلة أنني لطالما تصورت أنني ساقضي بقية حياتي في تحقيق تلك الأحلام البسيطة التي أخفقت في تحقيقها حينما كنت صغيراً ، أنظر للسماء كيفما شئت ، اقترب من شاشة التلفاز حتي الصق انفي بها ، أصنع طائرة ورقية كالتي كان يصنعها ابناء شارعنا بإتقان بالغ ، أخرج ذراعي من نافذة السيارة لأقتنص من الهواء ما حرمت منه سنيناً ، لكني مع الأسف صرت بطريقة ما واحداً من هؤلاء "الكُبار" المتعقلين المتعالين فوق هذه الأمور الطفولية التافهة...

***

-عارفة اول طلب هطلبه من مراتي بعد الجواز ، تعملي عجينة كيكة و متسويهاش ، هاكلها عجينة زي ما بحبها و انتقم من ايام الذل و الاستعباد.
-أيوة بس كده يجيلك مغص.
-تبقي لسة مخدوعة ، الكلام ده كل الأمهات بيقولوه عشان ينفذوا مخططاتهم الشريرة لحرماننا من كل حاجة بنحبها.
-طب و مستني مراتك تعملهالك ليه ما تعملها انت بنفسك و انت صغير ؟
-لأ ما اصل الراجل مننا بيفضل عيل في بعض الجوانب لحد ما يتجوز.
-و بعد ما يتجوز بيكبر ؟
-لأ ، بيفضل عيل بردو.

***

الحقيقة أننا نحن الصغار ، نحن الذين نصبح أكثر جموداً و سطحية بمرور الزمن ، اكثر واقعية ، برغم أن الخيال يثبت لنا يوماً بعد يوم أنه لم يكن سوي دعاية تجارية لما سيتحقق في الواقع عما قريب...
عندما تخبر طفلا أنه مازال صغيرا علي أن يدرك ذلك الواقع المؤلم القاس فأنت لا تسدِ له خدمة كما تظن ، في الواقع أنت لم تفعل شيئاً سوي إخباره أن عليه تقبل هذا الواقع اللعين كما هو ، و أن أية محاولة خرقاء منه لتبديله لا فائدة منها...
تقدم بضع سنوات إلي الأمام و حاول التفوه مع ابويك بحديث أحمق عن رغبتك في دراسة الفن التشكيلي او علم النفس أو أي هراء آخر بعيداً عن الطب و الهندسة ، لابد أنك تعرف رد الفعل جيداً...
المشكلة أن بعض الآباء لا يفهمون أبداً كيف يمكن أن تكون سعيداً في مجال اخترته للدراسة ، إن المجال الذي ستنخرط بداخله لابد و أن يكون مزعجاً مؤلماً لا تفهم منه شيئاً بسهولة و إلا صار بالنسبة لهم "لعب عيال" ، دعك من أنه لابد و أن يكون مربحاً كذلك و إلا ستقضي بقية حياتك في التسول علي الأرصفة...

الحق أن البالغين هم إحدي الأسباب الرئيسية في تأخر مجتمع كهذا ، يظنون الأمر برمته يدور حول المال ، إنهم مبرمجون علي تربية و تعليم و توظيف و تزويج أبنائهم بطريقة معينة لا يحيدون عنها أبداً...
لك أن تتصور رجلاً يذهب لعمله دون أن يستشعر أدني لذة فيما يفعله ، كيف تتصور منه أن يبدع في مجاله ؟
المهنة مربحة ؟ نعم ، الرجل يعمل بضمير ؟ بالطبع ، لكن المشكلة لم تتعلق يوماً بمراعاة الضمير في العمل بقدر ما تتعلق بمدي إمكانية الإبداع في ذلك العمل ، ان تحب ما تفعله لدرجة أن تجد بداخلك مجالاً للإبداع فيه...

إنني أتسائل ما الذي كان سيحدث لو أنني مارست في طفولتي كل تلك الأمور التي أستثارت شغفي نحوها ، فربما لم أستطع أبداً و حتي الآن تحليق طائرة ورقية ، لكني متأكد من أنني لو كنت فعلتها في صغري لتغيرت تفاصيل كثيرة في حياتي بعدها ، تفاصيل أعمق من مجرد كونها تتعلق برغبة طفولية...

الأحد، ١٣ يناير ٢٠١٣

فضوليزم...




الثلاثاء 11 نوفمبر 2012
علي إحدي المقاعد العامة بشارع النيل ، أقرأ سلسلة مقالات "دماغي كده" للرائع أحمد خالد توفيق ، محاولاً التوصل إلي فكرة ما للكتابة ، بينما يراقبني المارة الأوغاد الجهلاء الذين لا يقرأون أبدا...
النيل رائع بحق لكن صفحة المياه الممتدة هذه لا تلهمني سوي ببعض الأمل في أن تكون محطات التطهير تقوم بعملها جيدا ، دعك من أنني لست من هذه النوعية التي تحاول استدعاء أفكارها أمام النيل ، لا لست بهذا العمق حقا ، أنا فقط أحاول التقاط أنفاسي بعد مشوار طويل ، لو أردت رأيي فإن أفضل الأماكن لاستدعاء فكرة جيدة للكتابة هي الأماكن المزدحمة ، المترو علي وجه التحديد ، إن الناس تتواصل بداخله بالنظرات فحسب ، لا أحاديث جانبية إلا فيما ندر ، لا شجارات مع السائق إلا حين يخرج عن شعوره بسبب بعض الأوغاد الذين يمنعون الأبواب من الإنغلاق ، فقط تبقي مشكلة واحدة مشتركة بينهم و بين سائر المواصلات العامة...
إنه الفضول الزائد عن الحد...
الفضول الذي يدفعهم دفعا لمشاركتك-جبريا-في قراءة أي جريدة أو كتاب ، أو حتي تصفحك للفيس بوك علي الموبايل...
أذكر أنني في إحدي الفترات اشتريت هاتفا مستعملا من شارع عبد العزيز ، فقط لأكتشف فيما بعد أنه يظهر اللغة العربية معكوسة ، أي من الشمال إلي اليمين ، حتي حروف الكلمات ذاتها معكوسة ، بالطبع لم أجروء علي إعادته للبائع لأن تجار عبد العزيز يتعاملون بسياسة "البضاعة المباعة لا نعلم عنها شيئا ، لا ترينا وجهك ثانية" ، حاولت مرارا لأجعله يقرأ العربية بشكل صحيح لكنني فشلت ، و حاولت التأقلم مع ذلك الوضع الجديد ، شيئا فشيئا صرت بارعا في قراءة العربية المعكوسة بل و كتابتها ، و بالتدريج اكتشفت قيمة ذلك الكنز الذي أحمله ، هاتف لا يستطيع فك طلاسمه أحد سواي ، لطالما رأيت نظرات التعجب في أعين الأوغاد الفضوليون حتي ظن أحدهم أنني أكتب طلاسم سحرية لكنني كنت سعيدا ، برغم كل شئ كنت سعيدا...
الحق أننا مجتمع فضولي بالفطرة ، و مهما رأينا سنظل نشرئب برؤوسنا من الشرفات عند أقل بادرة شجار تصدر من الشارع ، و نشاهد أي فيديو يتحدث عمن قام بشئ أخرق في برنامج يذاع علي الهواء مباشرة...
لقد كانت الثورة سببا في رؤيتنا لظواهر اجتماعية و سياسية و إعلامية نادرة و غير معقولة ولا متوقعة ، لكننا برغم ذلك مازلنا نحدق في كل ماهو نادر و غريب ، مازلنا لم نصل إلي مرحلة التململ التي وصل إليها ذلك السائح الأجنبي الذي مر من أمامي الآن ، حسنا أيها الوغد ربما لديكم الكثير من القراء المثقفين لكننا علي الأقل نمشي في الشارع محتفظين بملابسنا أكثر من ذلك... :@
تبا له يسير بشورت و تي شيرت في هذا الجو بينما أمي تتشاجر معي يوميا قبل النزول كي أرتدي جاكت فوق القميص...
و الآن ماذا كنا نقول ؟

Share |