الأحد، ٢ ديسمبر ٢٠١٢

عشق موسمي...





لم يأت الشتاء بأمطار حتي الآن ، لكنك تعرف أنه أتي ، حين يبدأ ذلك الشعور بالاحتياج لأشياء لا تدري كنهها ، فقط هو احتياج جميل ، و هذا وحده يكفي...
حين ينعشك ذلك الجو الصباحي الحالم المشبع بالضباب ، حتي لتشعر أنك تتنفس الضباب ذاته ، و حين تري تلك الفتاة الفائقة الجمال تبكي وحيدة بالمقهي ، حتي لتشعر أنها الشتاء ذاته ، إن الشتاء أنثي ولا شك...
صدقاً ، ما الذي يمكن أن يكونه الشتاء إلا فتاة رقيقة بيضاء كالثلج تدمع بلا انقطاع دونما سبب ؟ و اراهن أن الصيف رجل سمين دائم التعرق يحاول اضحاكك بمزحاته السخيفة دون جدوي ، يصعب تصور أن الخريف و الربيع ابنائهما لو افترضنا أن هذا السمين قد يتزوج تلك البيضاء الرقيقة ، سيكون الربيع مراهق طائش يحاول جاهداً أن يكون رومانسياً لكنه يفشل في ذلك بجدارة ، بينما الخريف فتاة نحيلة الخصر شديدة الخجل مازالت تتلمس طريقها نحو الرومانسية بحذر...

***

-هذا الشتاء فقط ؟
-نعم ، هذا الشتاء فقط.
-و ماذا لو تعلقنا ببعض ؟
-هل حقاً تشعرين بذلك الاحتياج الغامض سوي في الشتاء ؟
-لا.
-ولا أنا.

***

عشقنا كان موسمياً ، لأننا كنا نتفق علي مبدأ واحد ، و هو أن الحب مهما بلغ من القوة إلا أن جذوره تظل نرجسية خالصة ، نحن لا نحب إلا لنشبع شيئاً بداخلنا ، مبدأ الحتمية النفسية لا يترك لك فرصة كي تقول أنك لا تعرف لماذا تحب ذلك الشخص ، لابد و أنك تملك سبباً لكنك تعجز عن قوله ، تعجز عن قول أنك بحاجة لمن يشعرك أنك موجود ، مرغوب ، حتي ولو كانت حاجتك هي أن تعتني بغيرك ، مهما بلغت درجة الإيثارية في علاقاتنا البشرية ، لابد و أن تجد لها جذور نرجسية...
عشقنا كان موسمياً ، لأن عواطفنا لا تنشط حقاً بهذه القوة إلا في هذا الفصل تحديداً ، و الصيف يجعلنا كائنات عصبية لا تطاق...
عشقنا كان موسمياً ، لأننا بصدق لم نشتاق يوماً لبعضنا خارج إطار ذلك الفصل علي الإطلاق...
كل شئ يبدأ في الشتاء و كأنه يبدأ لأول مرة...
وحده الشتاء ، و البقية توابع...

***

-متي أعرف ان الشتاء قد جاء ؟
-حين تهبط أولي قطرات المطر علي جسدك ، ستجدني أمامك.
-و متي ينتهي ؟
-حينما نمقت بعضنا ، و تجف عواطفنا ، و نجف.

***

المشكلة اننا اتفقنا علي شتاء واحد ، تشاجرنا في نهايته و انتهي كل شئ ، و لكن بحلول ثاني شتاء رأيتها ، عند أول قطرة مطر لامست جبهتي رأيتها ، في نهاية الجسر ، و كنت أنا في بدايته ، أذكر أننا ظللنا صامتين أكثر هذا الشتاء تحديداً ، أسميناه شتاء الصمت ، و الغريب أنه كان أجمل من كل الشتاءات التي جمعتنا...
إن للأعين لغة ساحرة لو أنك كرست نفسك للتحدث بها ، و للصمت رهبة لا يمكنك إنكارها مادامت قد تركت الحديث لصوت الأمطار...

***

-هل تحبني حقاً أم تحب الشتاء ؟
-أحب احتياجي لكِ في الشتاء.
-إذن لماذا جلبت لي باقة الورد هذه ؟
-من قال أنها لكِ ؟ لقد جلبتها لنفسي.

***

لا ، لم يكن الامر ارتباطاً شرطياً علي الإطلاق ، لم أحبها لأنني أحب الشتاء ، في الواقع أحببتها لأنها هي الشتاء ذاته ، أعني هل سبق و أن عشقت امرأة تتعطر برائحة المطر ؟
هل سبق و ان عشقت امرأة كلما بكت هطلت الأمطار بالخارج ، و كلما غضبت دوت الرعود بأعلي أصواتها...
إن الشتاء أنثي ولا شك...


Share |