الاثنين، ٢٠ أغسطس ٢٠١٢

ما أجمل أن تكون وغداً...



حين وصلت إيزابيلا لباب منزله أخذت نفسا عميقا محاولة استيعاب الموقف بكل حواسها ، فتلك المرة الأولي التي ستري فيها والدها البيولوجي الحقيقي ، والدها التي ورثت عنه ملامحه و تفكيره ، الأمر يبدو مثيراً للوهلة الأولي لكن ما تخشاه ألا يتذكرها ، أو ينكر علاقته بها من الأساس...
لفت نظرها وجود نوع من الكتابة الصينية علي ورقة ملتصقة علي الحائط بجانب الباب ، هل قطعت كل هذه المسافة نحو مصر كي تلتقي بوالدها الصيني ؟ أي سخف هذا...
هكذا مدت يدها المرتجفة لتضغط علي زر الجرس في توتر و استعداد...
بعد ثوان فتح الباب رجل في الثلاثينات من عمره يرتدي فانلة داخلية بيضاء بينما شعر صدره يكاد يخرج منها مستنجداً...
كادت أن تفتح فمها لتقول شيئاً لكنه ما أن رأها حتي ضرب كفا بكف متعجباً دون سبب واضح...
-وضعت لكم ورقة بالعربية فلم تفهموا ، بالإنجليزية لم تفهموا ، بالصينية لم تفهموا ، ما مشكلتكم معي تحديداً ؟
بالطبع لم تسعفها إجادتها البسيطة للعربية أن تفهم شيئا مما قاله ذلك الكائن المتكور ذو الكرش المتدلي ، لكنها أدركت أن هناك ما يغضبه حتما...
-عفواً أنا لا أفهم عم تتحدث حقاً.
-و منذ متي تفهمون علي أية حال ؟ للمرة الألف أخبركم أنني لا أشتري منتجات صينية ، فلتحملي حقيبتك اللعينة و لتعودي لبلدك.
-هل أنت الأستاذ مجدي ؟
نظر إليها قائلا في تشكك...
-هذا يتوقف علي ما تريدينه بشأنه.
مدت يدها مصافحة في تلقائية و قالت...
-أنا إيزابيلا ، أنا ابنتك.
هنا دوي صوت صوت صراخ أنثوي من الداخل مثيرا فزعهما معاً ، لوهلة احتار مجدي فيما يفعل تحديداً لكنه وجد نفسه مدفوعاً ليستفهم عما يحدث بالداخل...
************************
في الثالثة و النصف عصرا كان طارق ينعم بواحدة من أفضل القيلولات التي حظي بها في حياته ، فقط قبل أن يجد من يطرق بابه بعنف كما تفعل الشرطة في الأفلام المصرية القديمة...
طخ طخ طخ...
و رغم قوة الطرق إلا أنه لم يكن من الذين يكترثون كثيراً لأي شئ بقدر ما يكترثون لأمر راحتهم ، لذا فإنه تجاهل الصوت ليعود مرة أخري إلي أحلامه...
************************
-أقبضوا عليه.
-انا برئ يا حضرة الضابط صدقني لم أفعل شيئاً.
-سيد طارق أنت مقبوض عليك بتهمة اختلاس طبقة القشدة من فوق أكواب الزبادي.
-صدقني يا حضرة الضابط أنا مظلوم ، أعني أن الأمر لا يقاوم حقاً لكنني مظلوم.
************************
طخ طخ طخ...
-من بالباب ؟
-أنا مجدي جارك يا أستاذ طارق من فضلك افتح بسرعة.
-هل تعلم كم الساعة الآن ؟ إنها الثالثة عصرا.
-زوجتي جائها المخاض عنيفا.
-ربما عليك إعادة النظر في اختيارك إذن فأنا لست بطبيب توليد.
-نريد منك توصيلنا بسيارتك للمستشفي.
************************
هل ضجرت من قفصك أيها العصفور ؟
هل تود الإنتقام من سجانك العاطفي السخيف ؟
فقط و حصريا نقدم لك ، أقفاص صدرية مصنوعة من عظام البشر ، لك خصيصا و بجميع الأحجام...
************************
-أستاذ طارق ، يا أستاذ طارق.
-خيرا ؟
-أنت تنام علي نفسك.
-شكراً علي المعلومة ، هل ولدت زوجتك شيئا بعد ؟
-ليس بعد.
-حسنا سأجلب لنفسي بعض القهوة ، هل تريد ؟
-لا شكرا.
************************
حين هبط طارق إلي الدور السفلي كان مايشغل باله هو كيف تنتهي الأحلام تلك النهاية المثالية دون مقاطعة و كأنها تدرك جيدا أن هناك من سيوقظه في هذه اللحظة...
لكنه نسي الأمر سريعا بمجرد أن وجد من يربت علي كتفه بهدوء...
-مستر تارك ؟
-مالم تكن هذه محاولة سخيفة لتصنع الرقة ، فنعم ، أنا هو.
مدت يدها قائلة...
-أنا إيزابيلا.
-زعبولا من ؟
-إيزابيلا ، أنا ابنة السيد مجدي.
رفع حاجبيه قائلا في دهشة...
-السنين تمر سريعا حقا ، إنني مازلت حتي لم أجلب قهوتي بعد.
-أعذرني لا أفهم العربية جيدا.
-عفوا لكن هل تقابلنا من قبل ؟ لقد استيقظت لتوي من النوم.
************************
حين عاد طارق وجد مجدي يحمل طفله بين يديه في سعادة بلهاء لم ير مثلها من قبل...
-هل تود تقبيل المولود ؟
-إممممم ليس الأمر شخصيا حقا و لكن..ذلك الشئ قد خرج لتوه من أحشاء امرأة ، و كونه ينبض بالحياة لا يثير بداخلي الحماس حقا لتقبيله ، ليس قبل تنظيفه بالمياه علي الأقل.
رفع مجدي حاجبيه محاولا التهام كلماته بصعوبة ، قبل أن يبادره طارق بسؤال آخر...
-ذكر أم أنثي ؟
-أنثي ، أمها تقول أنها ورثت أكثر ملامحها عني ، و خصوصا الأنف.
-و أنت صدقتها.
-و لم عساها تكذب ؟
-لا أدري حقا و لكن هل تعلم كم يستغرق المولود حتي يكتسب ملامحه الأصلية الموروثة ؟ إن كل الرضع يشبهون الفئران فور ولادتهم لذا فزوجتك تقصد بشكل ما أن ملامحك أقرب ما تكون لـ....ملامح فأر.
-يمكنك الرحيل يا سيد طارق لقد أرهقناك معنا اليوم.
رد طارق في برود مشيرا بإصبعه لنهاية الرواق...
-ليس قبل أن أري هذا المشهد الدرامي القادم.
حين نظر مجدي لما يشير نحوه طارق لم تهتز له شعرة ، فقط أعطي طارق المولود قائلا...
-هل يمكنك عدم قتل طفلتي لبضع ثوان ؟ صدقا لن أتأخر.
-سأفكر بالأمر.
************************
بعد بضع دقائق مرت الفتاة باكية من أمام طارق بينما تقول شيئا بالإسبانية بدا له و كأنه سبة بذيئة ، و ما أن رأي مجدي قادما من خلفها حتي قال له منزعجا...
-أيا كان ما فعلته بهذه الفتاة فهو يروق لي حقا ، فجمالها الزائد هذا لم يكن مريحا علي الإطلاق.
مط مجدي شفتيه قائلا...
-امممم نعم ، ليس هناك أجمل من أن تكسر قلب فتاة جميلة ، ليس هناك أجمل من أن تكون وغدا ، تنمحي مشاكلك كلها قبل أن حتي أن تبدأ.
هنا نظر طارق نحوه مندهشا فاستطرد قائلا...
-و هل تعرف ايضا ؟ أنت محق للغاية في نظرتك نحو طفلتي ، كيف أسمح لعاطفتي كأب أن تتغلب علي أبسط قواعد النظافة التي تعلمتها ؟
هنا تحولت نظرة طارق من اندهاش إلي فضول فقال مبتسما...
-ما الذي حدث تحديدا ؟
جلس مجدي بجانب طارق قائلا في تأمل...
-لقد قضيت فترة من حياتي بإسبانيا ، و ارتبطت عاطفيا بفتاة إسبانية لكنها كانت علاقة قصيرة للغاية.
-أها ، الآن أفهم.
-كوني مكثت فترة في إسبانيا لا تعني بالضرورة أن لدي ابنة إسبانية ، أمور كهذه تستغرق وقتا و جهدا كما لابد أنك تعلم.
-أمور كهذه لا تستغرق أكثر من ليلة واحدة يا سيد مجدي.
-هل تشكك في أخلاقي ؟
-معاذ الله ، أنا فقط أصحح المعلومة.
-كل مافي الأمر أن أمها قبل أن تموت بالسرطان أعطتها خطابا لتعطيه لي ، و أخبرتها أنني أبيها ، فقط لأكتشف انها ترجوني في الخطاب أن أتبني ابنتها لأنها لا تثق في أي رجل عرفته سواي ، لقد بالغت في عشمها تجاهي ، بالغت كثيرا.
-لحظة واحدة ، الأم التي ماتت هي تلك الفتاة التي ارتكبت فعلتك معها.
-نعم و لم ارتكب شيئا معها.
-ألا تشعر بقليل من الأسي لموتها ؟
-حقا ؟ هل هذا هو كل ما أثار اهتمامك فيما قلته ؟
-منذ دقائق رأيتني وغدا لأنني رفضت تقبيل طفلتك ، هل تعلم كيف أراك الآن ؟
-ليس هذا موضوعنا ، لقد أخبرتها بحقيقة الأمر علي كل حال ، ستبكي قليلا ، ستمقت المصريين لآخر يوم في حياتها و ربما تساهم في تعطيل حركة السياحة ، لكنها ذات يوم ستنسي الأمر.
-هل تريد إقناعي بأنها احتفظت بخطاب أمها إليك و قطعت كل تلك المسافة دون أن يراودها فضول بشأن ما بداخل الخطاب ؟
-إمممم ، في المعتاد يقيم الأوروبيون وزنا لوصاياً الموتي لو كنت تفهم قصدي ، إنهم شعب عاطفي إلي حد ما.
رفع طارق حاجبيه قائلا...
-إنها حماقة و ليست عاطفة ، لكنك فعلت الشئ الصحيح علي كل حال.
-نعم ، أنا أيضا أقول ذلك ، بالمناسبة أين طفلتي ؟!

الجمعة، ١٧ أغسطس ٢٠١٢

إنطباعات...



بحبك ما بعرف هن قالولي...
من يومها ، صار القمر اكبر ع تلالنا...
و صارت الزغلولي تاكل ع إيدي اللوز ، و السكر...

فيروز قالت ان الحب يجعل حياتك أفضل ، قالت انه يلبسك نظارة الفرح و السعادة ،لم تكن فيروز يوماً بتلك النرجسية التي تدفعها لقول أن العالم نفسه قد تغير من أجلها ، لأن العالم لا يهتم لأمر أحد ، إنما الأمر يتعلق بنا دائما ،  منا و لنا...

غمض عنيك ، و ارقص بخفة و دلع...

أكثر الفنانين إبداعاً هو من يحقق لك ما تريد فعله بداخلك ، يحرره في صورة عمل فني أياً كان نوعه...
و لكن جاهين ، جاهين يدفعك دفعاً لأن تفكر فيما يريدك أن تفكر فيه ، لم تكن لدي يوماً أمنية الرقص تحت المطر ، لكن جاهين فعلها ، جعلني اتمني إغماض عيناي اسفل المطر ، المشكلة أنني لا أعرف كيف أرقص من الأساس ، لا تحت الشمس ولا المطر...

كاين رق و حنون ، أو مايل ع الغصون...
و إذا هلأ حبك غير ريته عمره ما يكون...

هل تري ؟ لسبب كهذا أعشق فيروز ، امرأة تدرك جيداً ما تريده و كيف تريده ، تريد ما اختارته منذ البداية ، ولا تسير خلف مشاعرها فحسب كأي امرأة أخري...

السبت، ١١ أغسطس ٢٠١٢

مجرد كابوس آخر...



لا تدري كيف انتهي بك المطاف إلي هنا ، أنت فقط تدرك أنك هنا الآن...
الجو كابوسي ، بل هو كابوس حي ، يفرض عليك واقعه الخيالي كأي كابوس يحترم نفسه ، و أنت تصدق هذا الواقع و تعيشه كأي نائم يحترم نفسه...
الزحام خانق في هذا المكان ، و تلك الشموع تزيد الأمور سوءا ، ربما لو حل الظلام لارتحت و سكنت نفسك قليلا ، لكنك تدرك جيدا أنه من المستحيل أن تهدأ نفسك في هذا الجو المشبع بالتوتر ، بالخوف ، بالموت...
صوت القذائف يأتي من بعيد ، و صوت الصرخات يأتي أعلي ، أحد الشيوخ قد افترش الأرض في أحد الأركان ، يقرأ القرآن محاولا تجويده في ثبات لكن أعصابه لا تصمد طويلا ، و كلما تناهت الصرخات إلي مسامعه كلما علا صوته بالقراءة أكثر ، و انهمرت دموعه أكثر...
نعم ، حتي الشيوخ يهابون الموت رغم اقترابهم منه و شعورهم بدنوه...
Share |